شعريَّة الرويعي

ثقافة شعبية 2020/08/19
...

ريسان الخزعلي
الفجر وعيون أهلنا ..
هذا آنه نهر عطشان.. آيا ذلّة النهران من تعطش.
هذا آنه بديك التم بديك انطَش ولا كَتلك كتاني الكَيظ.
خليني بديك التم بديك انطش.
 بس يفلان احذر حوبة النهران من تعطش..
الشاعر/ نهر عطشان، والتضاد بين النهر والعطش من المحن الوجوديَّة التي تُنازع الشاعر وينازعها من أجل وجود حياتي أنقى وأرقى، من أجل فجر تحتضنه عيون الأهل، والفجر هنا انتظار الغائب، والعيون راصد مستمر لهذا الغياب، الغياب المُتحسّب له بلوعةٍ وحسرةٍ تقوّضان الحلم، خشية أنْ (واخاف العمر يخلص بيك).
وهكذا تتقدم شعرية الشاعر الراحل كاظم الرويعي في مجموعته (الفجر وعيون أهلنا) من أجل أنْ يكشف أسرار هذه الثلاثيَّة التي شغلته وشاغلته على مدى مسيرته الشعريَّة – كان صوتاً ستينيّاً متميزاً بحدود تجربته ولونه، هذا التميّز المراوح فنيّاً بين القدامة والحداثة، وشكل قصيدة الأغنية حيث الميل للمقاصير داخل القصيدة، والشاعر حتى وإنْ كان يضفي صفة الحداثة على شعره عندما كتب عنواناً ثانويّاً لمجموعته الشعرية الأُولى (البيرغ) يقول فيه: المدرسة الحديثة للشعر الشعبي العراقي، الّا انه سرعان ما يعود الى الشكل الأول تحت تأثير انغماره التكويني الناتج من هذا الشكل:
يليل الهجر بالروح صبر اشموع، تنطي الحب ضواهه او باللهيب اتموع، عشكَته اهواي، نخيته اهواي، ولا جنه الحبيب اليسري ويّه ادماي، سد باب العشكَ بدموع.. صبر اشموع.
شعرية الرويعي تحاول التحديث بمعاول قديمة، لأنَّ كل ما يشغل هذه الشعرية أنْ تمسك شكل قصيدة الأغنية، وهذا سر نجاح قصائده عندما لُحّنت الى أغانٍ ما زالت تُشكّل حضوراً فاعلاً في مسار الأغنية العراقيَّة الجديدة (يا عشكَنه، صبر شموع، ينجوم، ليله ويوم، سلامات، جلمة حبيبي، يم داركم، يا سفّانه، صحينه،على شط الفرات، وغيرها).
إنَّ حضور الشاعر الرويعي في مشهد القصيدة الشعبية الحديثة، ما كان ليكون فاعلاً لولا انْ تُلحّن قصائده، إذ كان يكتب بمجاورة شعراء كبار استطاعوا أنْ يفتحوا آفاقاً جديدة في تحولات القصيدة الشعبيَّة، وأضفوا صفة الحداثة على هذه القصيدة، إلّا أنه بقي في محاولاته التحديثيَّة الغنائيَّة، ولم يستفد كثيراً من هذه التحولات. وعندما يحاول أنْ يكتب قصيدة طويلة بعيدة عن مناخ تشكيل قصيدة الأغنية، لا نجدهُ يوفّق كثيراً. وأرى أنه كان قليل الاطلاع على مساحة الشعر الحديث، العربي والعالمي، لذلك يجنح الى محاولة التحديث لا الحداثة بتفاصيلها الفنيَّة، وانَّ (كم) الشعر الحديث في قصيدته قليل، رغم مقبوليَّة هذه القصيدة في التلقي السريع، إلا أنها لا تنتج ما يناسب قوله: المدرسة الحديثة في الشعر الشعبي العراقي.
الرويعي في موضوعاته الأخرى التي تتوازى مع ثلاثية الفجر- الانتظار- النهاية، شاعر مسكون بالحُب وجدوى الشهادة من أجل الحرية والإنسان والوطن القادم، شاعر يحلم برموزه الأثيرة وامتداداتها في الحضور (هوشي منّه.. ياحلم جيفاري اخذني، اشتلني بستَه امن الفرات، واطش روحي: خبزه وثياب وحياة، واشد جنحي ابجنح هانوي إو نطير، الكل جرح نصعد عبير، الكل جرح ننزل حرير، عالي يا صوت الشعوب.. المجازر والحروب: غيم صيف ابدرب تقرير المصير).
وانَّ في استعادته من خلال مجموعته (الفجر وعيون اهلنا) ..، نكون قد آثرنا حضوره الشعري في مواجهة غيابه القَدري، ولكي نُذكّر بشاعر ترك صوته الخاص في شعر الأغنية العراقية الجديدة من خلال قصائده التي تطمح بأنْ تكتحل عيون أهلنا بالفجر الذي كان يحلم به بانحياز فكري صادق، ولعلي اقتربت من وفاء يستحقه هذا الشاعر الشاغل الذي أورثنا مجاميعه: البيرغ، الفجر وعيون أهلنا، صبر شموع ، وقد صدرت خارج العراق ولم تصلنا، كما أورثنا
ديواناً من الأغاني.