تسفيه الأمل العراقي

العراق 2019/01/03
...

عدنان أبو زيد 
 
تنشغل اتجاهات وجهات إعلامية وسياسية، محلية وإقليمية، لها أذرعها في التواصل الاجتماعي، في صناعة "الهلع الوطني" وتسويق سلعة "اليأس" في حياة البلاد وتفاصيلها، على مستوى السياسة والاقتصاد والأحزاب، فضلا عن النخب، من رجال دين وسياسة وبرلمان، ومؤسسات.
عملية "تيئيس" ممنهجة، تستثمر الديمقراطية العراقية التي اتاحت للناس، الحديث في ما يشاؤون وعمّا يريدون، من دون حسيب أو رقيب أو راصد، في ظاهرة، لم تألفها الديمقراطيات في العالم، ولا تعرفها المجتمعات حول العراق، التي تضع معايير في غاية الصرامة، لحرية الرأي.
وثائق المؤسسات العراقية، تُضخّ الى مواقع التواصل الاجتماعي كل يوم، حتى تلك التي تحمل درجة عالية من السرية.
تسفيه السياسيين والمسؤولين من كل الاتجاهات، مهما كان موقف هذا المسؤول أو ذاك بريئاً، أو مُدانا.
ووصل الأمر الى تسفيه المقدسات من كل الطوائف والمذاهب والقوميات، وتسويق الأكاذيب، وترويج القصص الملفقة، والوثائق المزورة.
أنها فوضى.. لا حرية..
الجميع يحمل راية الحرب على الفساد، لكن التعميم والإطلاق هو الفساد بعينه، لان ذلك يثلج صدر الفاسد الأصلي، ويحجب عليه، ويخلط أوراق النزيه بالسارق، وألوان الشريف بالدنيء.
لا يدرك اغلب الناشطين الافتراضيين أنّ تأثيرهم الحقيقي لا يتعدّى حدود أصدقاء الصفحة، ولو تفحّصوا الواقع لوجدوا ان هناك قوى اجتماعية على الأرض، هي المحرّك الأساسي للأحداث، اما التدوينات فلا تتعدى إثارة 
الهلع.
زيارة الى قصبات العراق، وأريافه، واللقاء بطبقاته الاجتماعية، ستجعلنا ندرك أن دينامو الحركة يدُار من قبل الأجندة العشائرية والحزبية ورجال الأعمال والتجار، في تفاعل حقيقي إيجابي يؤمّنه نظام ديمقراطي، وكان على العالم الافتراضي أن يعكس ذلك الصراع، لكنه في الواقع يبتعد عنه الى عالم طوباوي، لا يستطيع معه، المشاركة في التغيير.
الحاجة ملحّة، الى قراءة جديدة للواقع، والرؤية بإيجابية الى المستقبل، ذلك ان التغيير لا يحدث بالانتقاص من هذا السياسي أو ذلك، أو رجل الدين، هذا أو ذاك، أو من هذا الحزب أو ذاك، بل أن الإبدال يحدث في النقد الصحيح، والتشخيص لا التعميم، وتعزيز ثقة المواطن، لا إرباكها.
الديمقراطية العراقية بركة، ونحن مسؤولون عن ادامتها وتطويرها، وعلى سلبياتها وأخطائها وفساد بعض النخب فيها، فهي إنجاز عراقي بامتياز في منطقة تعجّ بالدكتاتوريات والأنظمة القمعية.
يشرّف العراقي في بلده وفي المغترب انه يقول ما يقول، من دون حسيب او رقيب، لكن المحزن ان كثيرين يعيشون لحظة الحرية، ويتناسون الماضي القمعي، حين كان لا يجرأ أحد على "النطق بكلمة"، وإنْ كان في خارج البلاد.
وصل الازدراء بالشعب العراقي، انّ البعض يتمنى عودة الدكتاتورية، متناسيا، لو أنها عادت -جدلا -، لكلّفته "تدوينته على النت" حياته وحياة أفراد عائلته، وأصبحوا ماضيا لا يتذكره أحد من هول السيف والعصا.
احمدوا الله على النعمة، وتراصّوا لخدمة بلدكم وكفاكم تسفيهاً لأنفسكم وبلدكم ونخبكم، فإنكم إنْ سوّيتم بين الجميع في اطلاق التوصيفات والاتهامات غير الدقيقة والمسؤولة، تكونون قد مددتم طوق النجاة للمتهمين
الحقيقيين.