كيف تتعامل أميركا مع أفريقيا؟

بانوراما 2020/08/22
...

افتتاحية هيئة تحرير مجلة الايكونومست

ترجمة: بهاء سلمان
يقف الجمهوريون مع الديمقراطيين هذه الأيام بالضد من سياسة الرئيس دونالد ترامب بانسجام تام، فعندما أوردت تقارير نيّة وزير الدفاع مارك أسبر إخراج القوات الأميركية من منطقة الساحل الأفريقية، حيث ينشط المتطرفون عبر مساحات شاسعة من القارة السمراء، كان رد فعل الكونغرس غاضبا بشكل جماعي، مبدين آراءهم بحيوية مفرطة ضد مثل هذا التوجه.
لاحقا، قام وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، الذي أبدى مواقف متناقضة حيال الأمر، بزيارة لدول الصحراء. كانت الدول المنتقاة بعناية؛ هي السنغال وأنغولا واثيوبيا، فقد حث السنغاليين على عدم انسحاب الأميركان من الساحل. وفي أنغولا الغنية بالنفط، شجع الأنغوليين على التجارة مع بلاده بدلا من الصين، أما أثيوبيا، فقد مدح رئيس وزرائها لحيازته جائزة نوبل للسلام وخصخصة أجزاء من
 اقتصاد بلاده.
لكن بعض الأفارقة ينظرون بريبة لتغيّر سياسة البيت الأبيض. وكان ترامب صريحا ازاء افتقاره للاهتمام بالشأن الأفريقي، فالقارة تعج بما وصفه بـ «دول النفايات القذرة» مشيرا الى «ناميبيا». وتأخر ترامب طويلا قبل تعيين مساعد لوزير الخارجية للشؤون الأفريقية، ووقتا أطول لإيجاد سفير يرسله الى جنوب أفريقيا، أحد أبرز المواقع الدبلوماسية لدول جنوب الصحراء الكبرى. وتعرف المرأة المعيّنة بهذا المنصب بشكل يثير السخرية، حتى بين الجمهوريين، بـ «سيّدة حقيبة اليد»، لأن خبرتها تتركز على الموضة، وليس الدبلوماسية، فهي رفيقة ترامب للنوادي الاجتماعية. ولم تستقبل الولايات المتحدة خلال عهد ترامب غير رئيسين أفريقيين، هما: النيجيري محمدو بوهاري والكيني يوهورو كينياتا. كما بالغت بتشديد اجراءات هجرة النيجيريين اليها، وشرعت بمحادثات تجارة حرة مع كينيا، لتبدو السياسة الأميركية تجاه أفريقيا غير معلومة الملامح.
 
وجهة نظر مختلفة
طرح جون بولتون، مستشار الأمن القومي السابق، ستراتيجية التحول الأميركي تجاه أفريقيا، عن سياسة الرئيس السابق، باراك أوباما، بالتشديد على رفض الوجود الصيني في أفريقيا، وبنسبة أقل مع روسيا. فالصين، برأي بولتون، «توظف الرشوة والاتفاقيات الغامضة لتضع أفريقيا أسيرة لمطالبها بهدف تحقيق الهدف النهائي لهيمنتها على القارة السوداء والعالم». ومنذ إقالة بولتون المفاجئة العام الماضي، ومع غياب أية تصريحات أميركية كبرى تجاه افريقيا، ظلت سياستها سائدة، حتى جاءت تصريحات بومبيو، ثم تبعها تعيين مارك غرين، رئيسا للوكالة الأميركية للتنمية الدولية، إذ أحدث فارقا داخل افريقيا وحاز على استحسان الكونغرس الأميركي بوصفه شخصا
 متألقا.
أما مساعد وزير الخارجية للشؤون الأفريقية، تيبور ناغي، الدبلوماسي العريق البالغ من العمر سبعين سنة، والذي عاد من المحافل الأكاديمية الى العمل الدبلوماسي، فعليه الشروع بتعزيز المصالح الأميركية من خلال أفضل وجهة نظر يحملها، متفاديا بالوقت نفسه الاصطدام مع وجهات النظر الرئيس أو وزير خارجيته. فخلال العام الماضي، رحب بتنصيب فيليكس تشيسيكيدي رئيسا لجمهورية الكونغو الديمقراطية، رغم قدومه للسلطة عبر انتخابات مزوّرة؛ فرغبة أميركا بايقاف سقوط الكونغو في أحضان الصين تجاوزت المخاوف من  ضرب
 الديمقراطية.
 
سلوكيات متناقضة
على العكس من ذلك، مضى ناغي في طريقه بإدانة تعامل رئيس الكاميرون بول بيا القاسية مع أبناء المناطق الناطقين باللغة الانكليزية، معلّقا تنفيذ قانون التنمية وفرص العمل لأفريقيا، الذي يمنح بعض الدول الأفريقية وسائل دخول أسهل للأسواق الأميركية؛ لكن لم يمثل هذا الاجراء صفعة حقيقية للكاميرون، إذ إن تجارتها مع الولايات المتحدة ضئيلة الحجم.
وبشأن السودان دعم ناغي رئيس الوزراء عبد الله حمدوك الذي زار واشنطن قبل بضعة شهور، وأيد تعليق رفع السودان من القائمة الأميركية الخاصة بالدول الراعية للارهاب؛ كما سعت أميركا لتخفيف التوترات الناجمة عن تشييد اثيوبيا لسد النهضة، الذي أثار غضب مصر وقلق السودان، لأنه سيغيّر مجرى تيار نهر النيل.
في الواقع، كان موطئ قدم أميركا العسكري في أفريقيا صغيرا، وخصوصا دول تشاد ومالي والنيجر، وتركز على الاستخبارات والامور اللوجستية والطائرات المسيّرة، بمعية وحدات صغيرة للقوات الخاصة؛ كما انسحبت عدة مئات من رجال العمليات الخاصة بالفعل من المنطقة، وبقي نحو 500 فرد يقاتلون المتطرفين في الصومال.
من جهة أخرى، ترفض اللجنة الفرعية للكونغرس للشؤون الأفريقية قطع الإنفاق الضخم لوزارة الخارجية أو أية برامج تابعة للأمم المتحدة مخصصة
لأفريقيا. 
 
دبلوماسية وجلة
وأبدى بعض سفراء الولايات المتحدة، في دول مثل زيمبابوي وزامبيا وأوغندا، شجاعتهم، فقد انتقدوا بقوة الحكومات المستضيفة لهم لخروقاتهم الفاضحة للديمقراطية أو حقوق الانسان. «يؤدي السفراء الكم الأكبر لما كانوا يؤدونه سابقا، لكن بأريحية أقل، لأنهم غير متيقنين من حصولهم على الدعم في حال احتياجهم اليه»، يقول أحد المتخصصين بالشؤون
 الأفريقية.
لغاية الآن، حافظت دبلوماسية تيبور ناغي الهادئة على دعم البيت الأبيض، إلا أن اللوبي الأفريقي في واشنطن ثقيل. يقول جوني كارسون، المساعد الأول للرئيس السابق أوباما للشؤون الأفريقية: «لقد ضعفت أهمية مكتب أفريقيا، والروح المعنوية متدنية، وتمت ازاحة المسؤولين الكبار، فحينما لا تعير الادارة اهتماما، تدور الأمور الى الخلف، ومن غير المنطقي أن تكون أفريقيا لا تعني شيئا للولايات المتحدة ما خلا كونها منطقة ينبغي تحييد قدرات الصين
وروسيا فيها».
لكن كيف سيتم ذلك؟ يشير الأميركان الى النجاح المستمر لخطط المعونات، مثل الإنفاق الكبير لبوش الابن على معونات العلاج والوقاية، ومبادرة أفريقيا المزدهرة لترامب بغية توفير ستين مليار دولار لتشجيع الاستثمارات الخاصة، لكن عليها أن تتوسع
أكثر. 
الشكوى الأميركية من الصين تعمل فقط على ازعاج الحكومات الأفريقية التي تتقبل السخاء الصيني وتحاجج بعدم استعداد أميركا أو قدرتها على توفير بدائل حقيقية.