بلد النهرين مهدد بشح مائي نتيجة لأسباب داخلية وخارجية، تتمثل الخارجية في التغيرات المناخية وقلة الأمطار، فضلا عن تحكم بلدان المنبع لنهري دجلة والفرات بالمياه، وهناك أسباب تعود لضعف التخطيط واتخاذ الإجراءات الاحترازية كقلة السدود والخزانات وغياب الإرشاد الزراعي وعدم كري الأنهر وزيادة عدد السكان وغيرها من الأمور الأخرى التي تهدد حياة الملايين في أغلب المدن العراقية.
مشكلة ومقترحات
يقول المواطن محمد عبد الرزاق: «منذ سنوات والمعنيون يتحدثون عن أزمة المياه التي طالتنا بالفعل، فاليوم نعاني من قطع للمياه بشكل مستمر لولا الاعتماد على خزانات المياه والمضخات لسحب المياه المنزلية، لكن هذه المياه تصل الى المنازل محملة بكميات كبيرة من الأتربة والشوائب وذات رائحة كريهة».
ويضيف: «لم نلمس أي تحرك لإيجاد حلول لهذه الأزمة التي تمس حياة الملايين، مع أنها سهلة ولاتحتاج الى جهد كبير من التفكير فهي معروفة؛ تتمثل ببناء سدود وخزانات واعتماد بحيرات خازنة للمياه، وكري الأنهر بصورة مستمرة لمنع نمو النباتات التي تستهلك المياه».
ويتابع: «من الممكن اعتماد برامج تلفزيونية توعوية للارشاد الزراعي، تتحدث عن طرق الري الحديثة وتشجيع المزارعين عليها، مع اتخاذ اجراءات قانونية بحق البلدان التي تتحكم بمنابع المياه العراقية». ويرى الأربعيني سلام ناصر: أن أزمة المياه في العراق هي من أهم المشاكل التي تواجه الاقتصاد العراقي، وخاصة القطاع الزراعي، مؤكدا أن حجم مشكلة المياه كبيرة وان لم تظهر بشكل واضح للعيان حاليا، فإنها سوف تكون عاصفة وخطيرة مستقبلا، حتى أن قسما من الباحثين يطلقون على الألفية الثالثة بـ (الحقبة المائية)، بدلاً من الحقبة النفطية التي اتصفت بها السنوات السابقة، ولذلك لا بد من مواجهة هذه الازمة ووضع المعالجات الجذرية لها».
إحصائيات
المتحدث باسم وزارة التخطيط والتعاون الانمائي عبد الزهرة الهنداوي بيّن أنَّ «متوسط استهلاك الوحدة السكنية للمياه في العراق انخفض الى 813.4 لتراً باليوم ضمن آخر احصائية أجريت بهذا الشأن في عام 2016، بعد أن كان 877.2 لترا باليوم، مشيرا الى أن هذه النتائج تم التوصل اليها بعد اجراء مسح لاستخدامات وممارسات المجتمع للمياه والجوانب البيئية في العراق بالتعاون مع منظمة اليونسيف والذي أجري خلال الربع الأول من العام المذكور، لافتا الى
أن المسح شمل ثلاث مناطق إحصائية تتقارب جغرافياً وتتشابه في بعض الخصائص، فأجري المسح لثلاث محافظات في إقليم كردستان ولثماني في المنطقة الوسطى، وأربع محافظات في المنطقة الجنوبية».
الكهرباء
مدير عام دائرة ماء بغداد عمار موسى كاظم أكد أن الانقطاعات الكثيرة للماء عن مناطق بغداد خلال المدة السابقة هي نتيجة لزيادة ساعات إطفاء الكهرباء خارج سيطرة الوزارة بسبب التجاوزات والأحمال التي ازدادت مع ارتفاع درجات الحرارة، مما اثر على إطفاء العديد من المشاريع خاصة في أوقات الذروة من الساعة 11 صباحا ـ 5 عصراً».
ويؤكد كاظم أنَّ هذه الانقطاعات بدأت تؤثر في مناطق كثيرة
من بغداد رغم وجود المولدات لدى الدائرة والتي تشغل نصف طاقة المشاريع حسب تصميمها، إلا أن إطفاء 15 دقيقة من
التيار الكهربائي يمكن أن يفرغ شبكة المياه الطويلة، بسبب سحب المواطنين للمياه عبر الماطورات، مما يستدعي اعادة الضغط بها واعادة التصفية وملء الخزان بحدود 6 ـ 7 ساعات، فضلا عن ملف الاراضي الزراعية والتجاوزات والسكن العشوائي الذي اصبحت أعداده ضعف السكن الرسمي الموجود في العاصمة بغداد».
ونبّه كاظم الى أنَّ «الشكاوى خلال الاسابيع الماضية انحسرت في المناطق الزراعية التي تحولت الى سكنية ومناطق التجاوزات، وتم اتخاذ بعض الاجراءات بخصوصها منها زيادة ساعات التجهيز بالكهرباء، وحاليا جميع المشاريع انتاجيتها عالية من المياه وجاهزيتها تامة».
التلوث
وبشأن التلوثات الحاصلة في المياه التي تصل الى المنازل يوضح كاظم: أنَّ «الماء المنتج هو مطابق لمتطلبات منظمة الصحة العالمية وان التلوثات تكون في الخطوط الناقلة خاصة في مناطق الاطراف لقربها من الاراضي الزراعية التي تحول الأغلب منها الى مناطق سكنية، مما حدا بالمواطنين الى التجاوز على الخطوط الناقلة دون علم الدائرة، ومن ثم
عملية الربط تكون غير نظامية، الامر الذي تسبب بحصول بعض التلوثات في الازقة بالمحلات الرسمية، مشيداً بتعاون المواطنين مع ملاكات الدائرة والذين باشروا بعمليات التبليغ عن حالات التلوث في مناطقهم، لتقوم فرق الدائرة بحصر الحالة وتحديد السبب ومعالجته على الفور لأن هذا التلوث قد لايصيب منطقة معينة فقط وإنما ينتقل الى أماكن أخرى بسبب تداخل الشبكة».
وتطرق مدير عام دائرة الماء في بغداد الى «الحصول على تمويل من البنك الدولي عن طريق وزارتي التخطيط والتعاون الانمائي والمالية في ما يخص قطاعي الماء والصرف الصحي، للمباشرة بتجديد شبكات خمس محلات في السيدية والبياع وحي العامل والطالبية والشعب خلال الايام القليلة المقبلة، فضلاً عن إعلان مناقصة لإنشاء خزان أرضي سعة 135 الف متر مكعب في منطقة الشعب كونها من المناطق الواسعة والمترامية الأطراف وتحتوي محلات رسمية عدة وتوسعات عشوائية كثيرة، مشيراً الى وجود الكثير من المشاريع التي ستتم المباشرة بها حال توفر الأموال رغم وصول الانتاج الى اكثر من 4 ملايين متر مكعب».
ترشيد الاستهلاك
الباحث في الشؤون الاقتصادية رائد الهاشمي دعا المواطنين الى «ضرورة امتلاك الوعي
والثقافة باتجاه ترشيد الاستهلاك، مشيرا الى ان حصة الفرد وصلت الى اكثر من 400 لتر في اليوم في حين أن البلدان المجاورة قد لايصل إليهم ربع هذه الحصة ولايشتكون من أزمة في مياه الشرب، مؤكدا أن هذا الموضوع يعتمد على الثقافة، فلا بد من تنميتها في المجتمع بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني، ومن جانب آخر لا بد من ضمان حصص كافية من المياه لادامة الحياة، فنحن على علم ان منابع نهري دجلة والفرات خارج العراق فلا بد ان تكون هناك اتفاقيات دولية تضمن حصة العراق لتغذية المشاريع التي تعتمد على هذين النهرين سواء كانت مشاريع التصفية وإرواء الاراضي الزراعية التي تضمن السلة الغذائية للمواطن العراقي من دون خروج الأموال الطائلة من البلد بسبب كثرة الاستيراد».
ويضيف: «بإمكان المواطن دعم الدولة في هذا الجانب عن طريق ترشيد الاستهلاك أولا ودفع مابذمتهم من أجور القوائم التي قد تكون مبالغها زهيدة بالنسبة للمواطن، لكن تأثيرها كبير لدائرة الماء لتأمين استمرارية هذه الخدمة، موضحا أن هناك الكثير من المناطق لم تسدد قوائم الماء الخاصة
التي تعادل مبالغها أحيانا ميزانية دائرة ماء بغداد»..