ابن بابل الذي أدخل أعمال بيكاسو وجواد سليم في النسيج الحرفي العراقي
ثقافة شعبية
2020/08/24
+A
-A
بابل/ ساجدة ناهي
لا تقتصر أعمال الفنان التشكيلي الدكتور عامر سلمان على الخطوط والرموز والآيات القرآنية، بل تخطى حدود الإبداع الى ادخال التجريد في اعماله النسيجية النادرة التي استوحاها من المدحتية التي تعد أشهر مدينة عراقية وعالمية في النسيج لينتج لوحات تجريدية لفنانين عالميين وعراقيين مثل بيكاسو وجواد سليم وعاصم عبد الامير، وما زال يكافح من اجل تخصيص قاعة خاصة لأعماله مناشدا وزارة الثقافة بمساعدته في الحفاظ على الموروث الشعبي العراقي من الموت والاندثار.
الفنان التشكيلي الدكتور عامر سلمان هو من أعلام مدينة الحلة وصاحب التخصص النادر بالنسيج الحرفي العراقي وهو خريج كلية الفنون الجميلة جامعة بابل، يحمل شهادة الماجستير في الخط الكوفي العباسي من جامعة بغداد، وشهادة الدكتوراه في الخط العربي في النسيج والتطريز وأعماله موجودة في أكثر من 30 دولة وتدرّس في خمس جامعات بولندية.
في أحد بازارات مدينة الحلة جمعتنا الصدفة للقاء الدكتور عامر سلمان لنشاهد أعماله المتميزة ونسترجع بعضا من ذكرياته التي عادت بنا الى سبعينيات القرن الماضي، إذ كانت بداية مشواره الفني مع الفنان الراحل عارف صبري حينما أسس دار التراث الشعبي فضلا عن مشوار اخر في بغداد ايضا مع الفنان الرائد عطا صبري استمر اكثر من ثلاث سنوات.
يقول الدكتور سلمان: تخصصت في النسيج الحرفي العراقي خاصة أن هذه الحرفة موجودة في مدينتي الأم المدحتية احدى نواحي محافظة بابل وهي اشهر مدينة عراقية وعالمية في النسيج، واعمالي موجودة في عشرات الدول واقمت اكثر من 150 معرضا مشتركا واكثر من 24 معرضا شخصيا، وكان المعرض الشخصي الأول في المركز الثقافي الألماني في بغداد عام 1973 ثم نقل المعرض الى برلين في ألمانيا الديمقراطية ساحة الكسندر لمناسبة مهرجان الشبيبة العالمي العاشر، حيث أقيم معرض من أجل فلسطين وفيتنام لمدة شهر كامل وتبرعت بكل ما بيع من أعمالي من اجل نضال الشعب الفلسطيني والفيتنامي، كما عرضت بعض نتاجاتي الفنية في بولندا عام 1978 واشترت كلية الفنون هناك جميع أعمالي وتم قبولي لإكمال دراستي هناك إلا أنني لم أكمل المشوار لأسباب أسرية خاصة وبعد 2003 بفترة قصيرة زار العراق مركز الاستشراق البولوني ووجهوا الدعوات لعدد من عمداء وأساتذة الجامعات لزيارة بولندا، إذ أكد لي أحد الاصدقاء أن أعمالي تدرّس في خمس جامعات بولندية وما زالت تعرض هناك.
* هل لديك مشغل خاص بك، وما هي نوعية الخيوط التي تستخدمها؟
- لديّ مشغلي الخاص خلف المنزل وأنا متنقل في اكثر من مكان فيه، أما الخيوط فهي على نوعين؛ فهناك الخيوط الشعبية المحلية لكنها لا تعمّر طويلا، إلا اذا تم تعقيمها وتعفيرها حتى لا تتفتت وتتحلل وتصيبها الأرضة؛ لذلك أقوم بتعفيرها من خلال اضافة بعض المواد الكيمياوية لتحافظ على قيمتها وتعمّر طويلا، ولديّ اعمال رائعة من هذا النسيج منذ اكثر من 20 سنة وانا معتز بها كثيرا.
* ما هذه اللوحات الرائعة. كيف أدخلت التجريد في أعمالك النسيجية؟
- أدخلت التجريد في اعمالي وهو عمل غير صعب بالنسبة لي وهو هواية استغل فيها اوقات فراغي في المنزل، ولديّ لوحات فنية عراقية واجنبية لفنانين عالميين مشهورين مثل جواد سليم وعاصم عبد الامير، كما اشتغلت لوحة (حلم امرأة) لبيكاسو فأنا معجب بالتراث لا اكثر، وقد اخذت الموروث وجددته حتى لا يضيع ويندثر؛ لأن الحرفيين انتهوا تقريبا من العراق، وأنا اشتغل هذه المنسوجات من باب الهواية. كما لديَّ لوحات في الخط الكوفي من
النسيج بعضها من تصميمي وبعضها اخذتها من التراث العربي او الاندلسي مثل شعار الاندلس «لا غالب الا الله» نفذتها بعدة طرق وبعدة
أحجام، وحتى لا تضيع هذه الاعمال عرضتها في دار المخطوطات العراقية إلا أن الاقبال قليل جدا.
* ألوان رائعة وأشكال جميلة لقطع مختلفة من النسيج والسجاد، من أين استنبطت كل هذه الأشكال؟
- أنا خريج فنون وتستهويني هذه الالوان والرموز في السجاد العراقي الذي يسمى ايضا بالبساط او الفجة، وهو من موروث بيئتي المدحتية ومن بيئات مختلفة، إذ أخذت فكرة التطريز من كل المحافظات واضفت اليها الكثير من افكاري وأكسبتها نوعا من التجديد من خلال ادخال الخط الكوفي والرموز المختلفة مثل رمز المثلث الذي يعد رمزا لبيت الشعر في السماوة وغيرها.
* كيف هو إقبال المجتمع العراقي على أعمالك الفنية؟
- آخر معرض لي كان في ساحة التحرير حيث أصبت مرتين مع ذلك هناك من يشتري وهناك من يشاهد ويرحل رغم أن أعمالي لا تقتصر على البسط والمفروشات والخرج بل هناك أعمال فنية متنوعة من ضمنها الحقائب النسائية وحتى بوند الشعر، فليس هناك ذائقة فنية في المجتمع إذ لا توجد معارض بشكل دائم او ندوات تثقيفية وبعض المعارض هي مبادرات فردية تبدأ وتنتهي في الوقت نفسه وأعمالي تستهوي الاجانب والخليجيين فقط وأحصل على دعوات كثيرة بعضها من اصدقاء كويتيين لكن السفر يحتاج الى إمكانيات مالية كثيرة.
* ماذا تمثل لك هذه الأعمال بعد هذا العمر الطويل ؟
- أعدّها جزءاً من حياتي وهي تاريخي وأنا عندما اسافر الى اي مكان آخذ معي حقيبة بهذه المنسوجات، وهناك من يعرفني ويستبشر بالقول (جاء العراقي) وأفتخر أني معروف في كل مكان.
* ما هي أقدم القطع النسيجية الموجودة عند الدكتور عامر سلمان؟
- لديّ عدد من القطع عمرها اكثر من 150 سنة، تعود لجدتي وهي من الكوت، وكانت من ضمن جهاز عرسها، وجدتي توفيت في 1980 عن عمر ناهز 107 سنوات وربما اكثر، وكانت تتكلم عن حكم مدحت باشا، ولديّ سجاد من زمن الملك غازي اعتز به كثيرا، ولديّ قطعة بطول اربع امتار اشتغلتها والدتي التي كانت معلمة قرآن وخياطة وتعمل العباءات النسائية وتجيد اعمال الحياكة ايضا وبقيت هذه القطعة محافظة على لونها رغم مرور أكثر من أربعين عاما.
* ما هو طموح الدكتور عامر سلمان؟
- أبحث عن مكان عرض دائم فأعمالي كثيرة وليس لديّ مكان أعرض فيه هذه المنسوجات الفنية حتى في محافظة بابل رغم أني ابن بابل، وهناك من يطالبني بالهدايا فقط، واليوم أنا أشكر المهندس سليم الربيعي صاحب بي دي سي مول الذي أهداني هذا المكان مجانا ليكون معرضا دائما لنتاجاتي الفنية.
* كلمة أخيرة توجهها لوزارة الثقافة.
- أطلب من وزارة الثقافة أن تخصص لي مكانا في المتحف العراقي او في القشلة لأعرض فيه أعمالي الفنية بشكل دائم، فهناك أماكن مهجورة، قاعات واسعة في القشلة تبلغ مساحتها اكثر من 25 مترا لايوجد فيها إلا شرطيان، سبق ان طلبت تأجيرها لي بشكل رمزي لكنني قوبلت بالرفض، ومن المؤسف أن تتلف هذه الاعمال بسبب حفظها في اماكن غير جيدة ولا يراها الناس وانا العراقي الوحيد الذي يهتم بالتراث الشعبي العراقي ولم أحصل من هذه الوزارة حتى على كلمة شكر واحدة.