تونس تبحث عن أسواق جديدة لزيت الزيتون

بانوراما 2020/08/24
...

كلير باركر

ترجمة: بهاء سلمان
ساعدت الأمطار الغزيرة غير العادية التي هطلت على تونس بتحقيق انتاج ضخم لمحصول الزيتون عبر البلاد بأسرها، لتشهد أسعار زيت الزيتون هبوطا هائلا، مثيرة أزمة خانقة لأحد أكبر المنتجين في العالم لهذه المادة الغذائية المهمة.
ويقوم المزارع محمد سيد بحمل أشجاره بمحافظة القيروان لضعف ما تحمله عادة كل سنة، لكنه أشار الى تدني مكسبه المادي الى نصف ما حققه العام الماضي لدرجة عدم تمكنه من تغطية نفقاته، أو دفع قائمة الكهرباء، ويخشى من قطع التيار عن منزله قريبا، معلقا: “لقد ضاقت بي السبل، وعرضت المزرعة للبيع لعدم مقدرتي على تحمّل هذا الحال”.
ومع بساتينها الخالية من المواد الكيمياوية، تعد تونس من أكبر مصدري زيت الزيتون العضوي على مستوى العالم، وحاز انتاجها على أوسمة تقديرية من مهرجانات دولية في لندن ولوس انجلس. ورغم ذلك، لا يزال زيت الزيتون التونسي غير معروف للعديد من المستهلكين الأجانب، ويعزى ذلك الى تصديره بكميات كبيرة الى ايطاليا واسبانيا، بحسب وزير التجارة السابق عمر باهي، إذ يتم خلطه هناك بزيوت محلية ويعرض على محال البقالة حول العالم بعلامات تجارية ايطالية واسبانية.
 
انتاج لا يناسب التسويق
وتضاعف انتاج تونس من زيت الزيتون خلال العام الماضي، فقد وصل الى نحو 350 ألف طن متري، لتحل كثاني منتج عالميا بعد اسبانيا. وفاقمت هذه التخمة تأثيرات ما كان يحصل مسبقا على مستوى عالمي من تراجع أسعار زيت الزيتون. ويؤكد المنتجون التونسيون حصول هبوط حاد بالأسعار، مع معدل بيع للكيلوغرام الواحد من زيت الزيتون البكر وصل الى نحو دولار ونصف الدولار مؤخرا، بحسب شكري بيوض، المدير التنفيذي للمكتب الوطني لزيت الزيتون. وهبطت أسعار الزيتون الخام هذا العام بشكل أكثر حدة، ليتحمل المزارعون الصغار، الذين لا ينتجون الزيت بأنفسهم، وطأة ثقيلة للغاية. يقول فوزي زياني من اتحاد مزارعي الزيتون التونسي: “إنها كارثة، خصوصا للمزارعين الصغار”.
ويمثل زيت الزيتون نصف صادرات تونس الزراعية، ويعتمد أكثر من 300 ألف مزارع على الزيتون لكسب بعض المدخولات المالية على أقل تقدير. ويشغّل قطاع الزيتون قرابة عشرة بالمئة من كامل القوى العاملة، وفقا لبيانات وزارة الزراعة التونسية. وغالبا ما تعني مواسم الحصاد الجيد للتونسيين امتلاك المال لأجل تحضيرات الزواج أو ترميم المنزل، كما يقول المزارعون، لكنهم خلال العام الحالي أغرقتهم الديون، فالبعض لا يسعه تهيئة أرضه للزراعة، معرضا المحاصيل المستقبلية للخطر؛ كما لا يمكنهم شراء مستلزمات وحاجيات اعتادوا على اقتنائها كل سنة.
كانت بداية الأزمة الحالية من اسبانيا، إذ أشبعت وزارة التجارة الاسواق بكميات زيت الزيتون الفائضة من الموسم السابق قبل الشروع بالموسم الجديد، لتهبط الأسعار في عموم العالم، وشهدت اسبانيا احتجاجات نظمها المزارعون. وعملت ظاهرة التغيّر المناخي، التي تسبب حالات جفاف قاسية تتخللها مواسم من الأمطار الضخمة، على جعل انتاج الزيتون لدول حوض البحر المتوسط غير قابلة للتنبؤ بشكل كبير. ومع اعتماد تسعين بالمئة من أشجار تونس على الأمطار، سندرك هنا الخطر المحدق بهذا القطاع المهم لعموم البلاد.
 
استجابة حكومية
ويقول عبد المجيد عزار، رئيس اتحاد المزارعين والصيادين التونسي، ان الأسعار المتدنية أثرت بشدة على المناطق الداخلية الأكثر فقرا. وحاصر المزارعون الغاضبون وزارة الزراعة في العاصمة تونس، مطالبين بجهود حكومية لتثبيت الأسعار. وقامت الحكومة بدورها لتشتري بعض الفائض، ودعمت تكاليف النقل للمصدرين، وصادقت على خطة طوارئ لتخزين مئة ألف طن من زيت الزيتون وصرف منح مالية للمنتجين والمصدرين. في الوقت نفسه، حث البنك المركزي التونسي المصارف للاستمرار بتأجيل استرجاع الديون من المتضررين.
وخلال العقود الأخيرة، أنفقت الحكومات المتعاقبة المال لتوسيع قطاع زيت الزيتون لتطوير المناطق الفقيرة وتقليل العجز التجاري وضخ عملة صعبة للاقتصاد التونسي الضعيف، كما عملت الحكومة على تحفيز المنتجين لتعبئة منتوجهم من زيت الزيتون، وهي خطوة ترفع من قيمته، والترويج له خارج البلاد.
وأدت كميات الحصاد الهائلة للموسم الحالي الى جعل البحث عن أسواق جديدة أمرا أكثر إلحاحا. ويتلقى الاتحاد الأوروبي من تونس أكثر من 56 ألف طن كحصة سنوية لواردات زيت زيتون معفاة من الكمارك، ناهيك عن الكميات التي يشتريها المستوردون الأوربيون ويعيدون تصديرها. وطلبت تونس من الاتحاد الاوروبي زيادة حصته السنوية من شراء الزيت، ورد المسؤولون الاوربيون بانفتاحهم على مناقشة هذا الموضوع ضمن محادثات تجارة أوسع؛ لأنه عندما رفع الاتحاد الاوروبي مؤقتا النسبة سنة 2015، جوبه برفض شرس من قبل المنتجين والسياسيين الايطاليين. ولهذا نجد أن تونس تتطلع في الوقت الحاضر الى أسواق آسيا وأفريقيا والولايات المتحدة بدلا من أوروبا؛ إذ تشتري الولايات المتحدة حاليا نحو 15 بالمئة من زيت الزيتون التونسي، وفقا لبيانات وزارة التجارة الأميركية.
 
   صحيفة واشنطن بوست الأميركية