الشراكة الستراتيجيَّة الصينيَّة الإيرانيَّة.. خبرٌ مزعجٌ للغرب

بانوراما 2020/08/25
...

علام صالح وزكية يازدانشيناز 
ترجمة: انيس الصفار 
تشير وثيقة مسربة حديثاً الى أن الصين وإيران حالياً تزمعان الدخول في شراكة ستراتيجية أمدها 25 عاماً تشمل الجوانب التجارية والسياسية والثقافية والأمنية.التعاون بين الصين ودول الشرق الأوسط ليس بالأمر الجديد او المستحدث، بيد أن ما يميز هذا التطور الجديد عما سبقه هو ان كلتا الصين وإيران لديهما تطلعات على النطاقين الاقليمي والعالمي، كما أن للاثنتين مع الولايات المتحدة علاقات متسمة بالمواجهة، شد ما يثير قلق الولايات المتحدة هنا هو البعد العسكري للاتفاقية، ففي العام الماضي أجرت إيران والصين وروسيا تمارين بحرية مشتركة في المحيط الهندي وخليج عمان تطيّرت منها واشنطن.
تنامي النفوذ الصيني في مناطق شرق آسيا وأفريقيا يمثل بحد ذاته تحدياً لمصالح الولايات المتحدة، والشرق الأوسط الآن هو الحلبة التالية التي ستتحدى فيها بكين هيمنة الولايات المتحدة، وذلك سوف يتم عبر إيران هذه المرة.
هذا الجانب له اهمية خاصة، لأن الاتفاقية بحد ذاتها، ناهيك عن تداعياتها، تتخطى الفضاء الاقتصادي والعلاقات الثنائية المجردة لتتحرك على ثلاثة مستويات.. الداخلي والاقليمي والعالمي.
على المستوى الداخلي يمكن للاتفاقية أن تمد حبل نجاة للاقتصاد الإيراني لتنتشله مما ألم به من ضرر العقوبات والضائقة المالية، حيث تضمن لإيران بيع نفطها وغازها الى الصين. علاوة على ذلك سيكون بوسع إيران أن تجعل من علاقاتها الستراتيجية مع الصين ورقة مساومة في أية مفاوضات مستقبلية محتملة مع الغرب من خلال استغلال قدرتها على توسيع مساحة الحضور الصيني في منطقة الخليج.
 
الرئيس القادم
لم تبقَ على انتخابات 2020 الرئاسية في أميركا سوى أشهر، والنظرة المتفحصة تكشف عن أن الشراكة الستراتيجة الإيرانية الصينية، يمكن ان تهدد فرصة الجمهوريين في الفوز بها، سبب ذلك هو ان هذه الشراكة برهان على فشل ستراتيجية العقوبات القصوى، التي تفرضها ادارة ترامب، والفشل لا ينحصر فقط في جانب كبح إيران وإجبارها على تغيير سلوكها في المنطقة، بل لأن تلك العقوبات دفعت بطهران الى ذراعي بكين، أما على المدى البعيد، فإن التقارب بين إيران والصين يوحي بأن طهران اخذت تتبنى سياسة “التطلع شرقاً” لتقوية سطوتها الاقليمية والعسكرية وتحدي هيمنة الولايات المتحدة في منطقة الخليج وتقويضها.
بالنسبة للصين يمكن للتحالف المذكور أن يكفل أمن الطاقة، لأن الخليج هو الذي يزود الصين بأكثر من نصف احتياجاتها من الطاقة، لهذا السبب تحتل حرية الملاحة عبر الخليج اهمية قصوى في نظر الصين، المملكة السعودية وهي الحليف المقرب للولايات المتحدة، تعتبر المجهز الأول للخام حالياً بالنسبة للصين، حيث بلغت استيراداتها من المملكة خلال الشهر الماضي رقماً قياسياً هو 2,16 مليون برميل يومياً، هذا الاعتماد يتعارض مع السياسة الصينية المتمثلة بتنويع مصادر الطاقة وعدم الركون الى مجهز واحد فقط (المجهزون العرب الاخرون في الخليج تربطهم هم ايضاً علاقات أمنية وثيقة بالولايات المتحدة).
ما تتخوف منه الصين هو ان تسلط الولايات المتحدة ضغوطاً على تلك الدول لجعلها توقف إمداد بكين بالطاقة، إذا ما اشتد اوار الحرب الاقتصادية بين الطرفين، لذا فإن الشراكة الستراتيجية الشاملة مع إيران سوف تفي بالغايتين معاً، التحوط للحاضر وتأمين المستقبل، لأنها ستوفر للصين مصدراً مضموناً للطاقة بكلفة مخفضة.
ثمة أمر محتوم لا مناص منه، وهو ان العلاقات الصينية الإيرانية سوف تعيد رسم المشهد السياسي في المنطقة لصالح إيران والصين، وهذا سيلحق بالنفوذ الأميركي ضعفاً على ضعفه، بل ان الاتفاقية ستسمح للصين بأن تلعب دوراً اعظم في منطقة من اهم مناطق العالم، لقد تغير المشهد الستراتيجي منذ الغزو الأميركي للعراق سنة 2003، ووفقاً للنظام الجديد أخذت الهويات العابرة للقومية والقائمة على اساس الانقسامات الدينية والطائفية تزداد انتشاراً وتوسعاً لتغير ديناميكيات القوى جوهرياً.
 
سلام تنموي
هذه التحولات، اضافة الى خروج القوات الأميركية من بعض المناطق والقلاقل، التي تلت الربيع العربي، وفرت لقوى متوسطة الوزن مثل إيران فرصة ملء الفراغات المتولدة وتعزيز نفوذها الاقليمي، في الوقت ذاته اخذت الحكومة الصينية منذ وصول شيجنبنغ الى السلطة سنة 2012 تعبر عن رغبة ملحة في جعل الصين قوة عالمية وأخذ دور اكثر فعالية في مناطق اخرى. هذا الطموح تجلى بأوضح صوره في مبادرة الحزام والطريق، التي أبرزت بدورها الاهمية الستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط.
لقد تنبهت الصين بوعي على وضع إيران واهميتها كقوة اقليمية في الشرق الأوسط الجديد، بعد أن عززت التطورات التي شهدتها المنطقة نفوذ إيران على مدى السنوات الأخيرة ورسخته، على خلاف الولايات المتحدة، تبنت الصين في المنطقة نهجاً ينأى عن السياسة ويتمحور حول التنمية، هذا النهج صار يستغل النفوذ الإيراني الاقليمي لتوسيع ارتباطات الصين الاقتصادية بالدول القريبة وتثبيت الأمن فيها من خلال ما تسميه “السلام التنموي”، بدلاً من المفهوم الغربي الذي يعرف بالسلام الديمقراطي، وهو نهج تميل دول الشرق الأوسط الى تقبله.
انسحاب الرئيس “دونالد ترامب” من الاتفاقية النووية مع إيران في العام 2018، وما أعقبه من فرض سياسية الضغط الاقصى، كان آخر محاولة في يد الحكومة الأميركية لوقف تنامي النفوذ الإيراني في المنطقة، بيد ان هذه السياسة لم توفق حتى الآن في حرف طموحات إيران الاقليمية او سياساتها العسكرية، رغم شدة الأذى الذي ألحقته باقتصادها، من هذا المنطلق سوف يؤدي التعاون الستراتيجي الجديد بين الصين وإيران الى مزيد من تقويض قدرة الولايات المتحدة على تحريك الأوضاع ويعبد الدرب امام الصين لتلعب دوراً اكثر نشاطاً في الشرق الأوسط.
كان المتشددون في طهران ينادون منذ سنين بالتقارب مع الصين، ثم جاء الانسحاب الاميركي من الاتفاق النووي فحقق لهم ما يريدون، كانت مناورة ترامب ضد إيران كاسحة عقابية، ولكن فرص نجاحها بقيت ضئيلة، ما فعلته حملة الضغط الاقصى هو انها عززت موقف الشخصيات المتشددة في إيران ونحت جانباً اولئك المتطلعين صوب المسار الدبلوماسي.
الاتفاقية الصينية الإيرانية ستكون لها آثار في المناطق المجاورة ومنها مناطق جنوب آسيا، ففي العام 2016 وقعت الهند وإيران اتفاقية للاستثمار في ميناء شابهار الإيراني الستراتيجي مع انشاء سكة حديد تصل مدينة شابهار وميناءها بمناطق آسيا الوسطى، إلا ان إيران اليوم تتهم الهند بالمماطلة في الاستثمار اذعاناً للضغط الأميركي، لهذا السبب استبعدت الهند من المشروع.
ينكر المسؤولون الإيرانيون ان للصلات الوطيدة بين الهند وواشنطن علاقة باستبعاد الهند من مشروع شابهار- زاهدان في الصفقة الجديدة مع الصين، رغم ذلك يبدو أن هذا هو السبب الكامن وراء القرار، الاستعاضة بالصين عن الهند في مثل هذا المشروع الستراتيجي سوف يقلب ميزان القوى في جنوب آسيا لغير صالح نيودلهي، أما الصين، فسوف تكون أمامها الفرصة الآن لربط ميناء شابهار بميناء غودار الباكستاني وهو قطب مهم في مشروع الحزام والطريق.
 
ميناء غودار
بغض النظر عما تعتقده واشنطن فإن العلاقة الصينية الإيرانية الجديدة سوف تسفر في نهاية المطاف عن تقويض المصالح الهندية في المنطقة، خصوصاً اذا ما انضمت باكستان الى المشروع، عندئذ سيصبح مقترح إيران بتوسيع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني القائم على امتداد ثلاثة محاور، شرقي وغربي وجنوبي، وربط ميناء غودار في باكستان بميناء شابهار، ثم بأوروبا وآسيا الوسطى عبر إيران باستخدام شبكة من السكك الحديدية، اصبح أمراً مرجحاً، اذا ما سارت الخطة قدماً، فإن الحلقة الذهبية المؤلفة من الصين وباكستان وإيران وروسيا وتركيا سوف تصبح القلب النابض لمبادرة الحزام والطريق، إذ ترتبط الصين بإيران ثم تمضي الى آسيا الوسطى وبحر قزوين فالبحر المتوسط عبر العراق
 وسوريا.
في 16 تموز اعلن الرئيس الايراني حسن روحاني أن ميناء جسك سوف يصبح نقطة تحميل النفط الرئيسة في البلد، من خلال زيادة التركيز على تطوير ميناءي جسك وشابهار الستراتيجيين تسعى إيران الى نقل بؤرة اهتمامها الجيوستراتيجية من الخليج العربي الى خليج عمان، هذا التحول سوف يتيح لطهران إمكانية تجنب منطقة الخليج وتوتراتها، اضافة الى تقليص طول الرحلة التي تقطعها ناقلات النفط المحملة بالنفط الإيراني، كما سيتاح لإيران ان تغلق مضيق هرمز متى ما اقتضى الامر.
تتيح الاتفاقية الثنائية للصين فرصة فريدة للمشاركة في تطوير هذا الميناء، لأنها ستمكنها من الحاق ميناء جسك بشبكة اقطابها الستراتيجية في المنطقة، بموجب هذه الخطة سوف ترتبط الساحات الصناعية، التي تسهم الشركات الصينية في تطويرها لدى بعض دول الخليج بالموانئ التي تتمتع الصين بحضور قوي فيها، هذه الشبكة المترابطة من الساحات الصناعية والموانئ من شأنها رفع مستوى التحدي لهيمنة الولايات المتحدة في المناطق المحيطة بمضيق هرمز
 الستراتيجي.
ستطبع الشراكة الستراتيجية بين إيران والصين بآثارها ايضاً موقف المنافسة بين القوتين العظميين، الولايات المتحدة والصين، فرغم ان الصين لا تزال اكبر شريك تجاري للولايات المتحدة ورغم استمرار العلاقات الثنائية الواسعة بين القوتين العالميتين، فإن المنافسة بين الاثنتين تشتد وتتأزم في ميادين عديدة مختلفة الى حد جعل مراقبين كثيرين يجادلون بأن العالم يسير الى حرب باردة جديدة، نظراً للأهمية التي تتمتع بها منطقة الشرق الأوسط من الناحيتين الجيوسياسية والاقتصادية، فإن الصفقة مع إيران سوف تمنح الصين موطئ قدم آخر تستطيع منه تحدي سطوة الولايات المتحدة.
في غضون ذلك ستتمكن طهران، الى جانب ضمان وجودها وبقائها، من استغلال علاقاتها مع بكين لتقوية واحكام وضعها الاقليمي، أخيراً وليس آخرا، فإن الولايات المتحدة كانت تجني الفوائد دائماً من اجواء الفرقة والتنافس في المنطقة، في حين ان الشراكة الصينية الايرانية قد تتمكن في نهاية المطاف من اعادة تشكيل المشهد الأمني في المنطقة بإشاعة الاستقرار عبر النهج الصيني المتمثل بالسلام
التنموي.