الانفلونزا الاسبانيَّة وأثرها في ديانات أفريقيا

بانوراما 2020/08/27
...

اوجين اغبوجيول
ترجمة: بهاء سلمان
قبل قرن مضى، توّلد لدى «دادي علي» طيفا حينما كان شماسا يرعى إحدى الكنائس الانجليكانية داخل قرية صغيرة جنوب غربي نيجيريا بسكانها من قوم اليوروبا، حيث أخبر المراجع الكنسية رؤيته لأبناء ابرشيته وقد تقسموا الى جزأين غير متكافئين، صغير في النور وكبير يلفه الظلام؛ وأخبره صوت ما بأن الجزء الصغير يضيء لأنه متعلّق بالعبادة والصلاة.
خلال تلك الفترة، انتشر الظلام عبر العالم بسبب الانفلونزا الاسبانية، التي أصابت ثلث سكان العالم، وقتلت خمسين مليون انسان. وفي نيجيريا المحتلّة من قبل بريطانيا، حظرت التجمعات وأغلقت أماكن العبادة، وهي ظروف مشابهة لما يواجهه الجميع حاليا مع اجتياح فيروس كورونا للعالم، ومع انقطاع المؤمنين عن دور عباداتهم الروحية، أوجد الوباء بشكل غير متوقع انشقاقات داخل صفوف الديانة المسيحية المزدهرة ضمن القارة السمراء.
 
انشقاق وتأسيس
لم يتم تلقي تأكيدات دادي بترحاب كبير، وجوبه بالرفض الشديد من قبل الراهب سييرا ليونين، «مذكرا إياه كونه مجرد بستاني وليس من الحالمين،» كما كتبت هيلين كرمبلي، استاذ الدراسات الأفريقية في جامعة نورث كاليفورنيا، ضمن كتابها الموسوم «الروح والهيكل واللحم: تجارب الجنسين في كنائس أفريقيا المؤسساتية ضمن قوم يوروبا في نيجيريا»، تم تناسي حلم دادي بالمرة، ولم يحلم به ثانية؛ لكنه ذهب لاحقا الى مجموعة من مسنين يرتادون الكنائس، تعاطفوا معه ومنحوه أذنا صاغية.
في العام 1918، اسهم دادي بتأسيس مجموعة مؤمنين أطلق عليها جمعية الحجر الثمين، المؤسس الآخر كانت طالبة اسمها صوفيا اوديونلامي، التي أثناء استرخائها خلال اصابة خفيفة بالانفلوانزا، ادعت بتلقيها توجيهات لاستخدام ماء مطر مقدس وصلوات لشفاء رباني، ورأت المجموعة هذا الحلم كونه يمثل دليلا اضافيا لدعوتها الى الصحوة الروحانية، وصارت صوفيا مبشّرة متنقلة داخل المنطقة، حاثة المسيحيين المحليين على الاعتماد بشكل حصري على الصلاة.
 
تنافس أوروبي
عبر أفريقيا، كان التعبير المطلق لعطايا «الروح القدس» في الكنيسة قد سمي «فودو» من قبل الكنائس الاستعمارية الأوروبية، التي عززت النماذج الطبية في الوقت نفسه الذي كان يتم فيه التقليل من شأن ترجمات الشفاء الحرفية للسيد المسيح في الانجيل، ورفضت البعثة التبشيرية الانجليكانية النيجيرية آيديولوجية هذه المجموعة الدينية.
كتبت هيلين كرمبلي: 
«قبل أن تؤسس بريطانيا دولة نيجيريا الاستعمارية، كانت مسؤولية إدامة شؤون قوم يوروبا تقع على عاتق المتخصصين بالأقوام الأصيلة، الذين كانت خدماتهم متاحة ويمكن الوصول اليها وبطقوس مألوفة، ومنهم «بابالاوو»، وهو كاهن وعرّاف مشهور لديانة «إيفا» التي يعتنقها قوم يوروبا، ورفض المبشّرون المسيحيون طقوس بابالاوو كونها «وثنية»، ليفقد الشفاء الفطري مصداقيته بين المتحوّلين الى المسيحية.»
وفي أماكن أخرى من القارة، انتشرت عشرات الحركات الروحانية المشابهة، وأدانت طوائف الجيل الجديد هذه الآلهة الأفريقية، غير أن نماذجهم المذهبية بدت أقرب لاسلوب عبادة الأديان التقليدية من عباءة المسيحية الأوروربية، وقبل حلول نهاية العام 1918، بدأت كنيسة الرسل الأثني عشر العمل في غانا، لتمثل أول كنيسة من «الكنائس الروحية» على امتداد الساحل الذهبي السابق.
في زائير، الكونغو الديمقراطية حاليا، أصبح سيمون كيمبانغو مشهورا بفضل معجزاته في العام 1921، وحظي برؤية مكنته من وضع يده على المرضى، وشرعت النبية نونتيثا نكوينكوي، من قوم خوسا، التي يعتقد بنجاتها من مرض الانفلوانزا بغية نشر رؤية جديدة للانجيل، وشرعت بحركة جديدة، وقامت الادارة الاستعمارية لجنوب افريقيا سنة 1922 بوضع نونتيثا في مصحة للأمراض العقلية بسبب «تشجيعها الأفارقة على مقاطعة الكنائس
 الأوروبيَّة».
 
الإقناع بالوعظ الديني
أما جوزيف بابالولا، وهو شاب تحوّل الى المسيحية لأبرشية مختلفة جنوب غربي نيجيريا، فقد تم طرده من قبل الكنيسة الانجليكانية مع حلول بداية ثلاثينيات القرن الماضي، وكان قد انهمك في أمور الرؤيا وحالات الشفاء والحياة كواعظ متجوّل، وانضّم الى كنيسة خيمة الاجتماع الايمانية، وهو الاسم الجديد لجمعية الحجر الثمين، وقاد بابالولا لاحقا حركة «الاحياء العظيم» سنة 1930 في المنطقة، محوّلا المئات الى المسيحية.
وبالنسبة لجمعية الحجر الثمين، فقد تماثل العديد من اعضائها للشفاء من الانفلونزا الاسبانية، أو إنهم لم يصبهم المرض مطلقا؛ وكانوا يعتقدون أن الانفلوانزا سببها السحرة، وتستلزم حلا روحانيا محليا، ليلقوا مواعظ تحذر من الأدوية الغربية والتقليدية، علاوة على تعميد الأطفال الصغار، خلال تلك الفترة كانت الجمعية قد اكتسبت شهرة، لكنها بقيت ضمن تبعيتها للكنيسة، بحسب المؤرخ اغبنرو اديغبولا.
بحلول العام 1922، تركت الجمعية الكنيسة الانجليكانية لتصطف مع الحركة الخماسية الأميركية الأكثر تعبيرية، وغيّرت اسمها الى كنيسة «خيمة الايمان»، يقول اديغبولا: «أصبحت فكرة الصلاة والتضرع لأجل الشفاء الكاريزمي أكثر شيوعا، رغم أن غالبية الناس لم تبد موافقتها مع تفرّد الايمان لوحده».
وانبثقت المزيد من المجاميع المنشقة، سنة 1940، تخلى بابالولا عن مجموعته ليؤسس كنيسة المسيح الرسولية، وهي الأكبر في الكنائس الانجليكانية الأولى، وحمل جميع أفراد هذه الكنيسة تسمية عامة مشتقة من كلمة محلية بمعنى الصلاة، وقال اديغبولا عن الحركة إنها «مثلت تماما ذروة سلسلة من ردود أفعال لما أعتبر كونه هيمنة أجنبية مرفوضة».
أما اليوم فقد تنامت تلك الحركات لتشمل مئات الفروع عبر القارة الأفريقية وشمال أميركا وأوروبا، مصدرة أنموذجها من الديانة مع ثقافة استحواذية لشفاء يولد من رحم جائحة ما.