الحكومة في عامها الجديد.. خطوات لا بد منها

العراق 2019/01/07
...

ابراهيم العبادي
 
 
استقبل العراقيون عام 2019 بآمال مكبوتة وشكاوى مكررة ومخاوف معلنة، كانت الامال تحدو العراقيين في الانتهاء من تشكيل الحكومة والفراغ من صداع شعارات الكتل المتنافسة،  بيد ان الطبقة السياسية العراقية لم تنضج بعد  حتى توفر مناخا  يسهل على الحكومة مباشرة مسؤولياتها وتنفيذ منهاجها، الناس تنتظر دخولا حكوميا قويا على المشكلات الاساسية حتى تطمئن لفعالية الخطط والاجراءات، لكن الحقيقة الماثلة امامنا لحد الساعة، هو استمرار  حالة الاحباط وتضاؤل الثقة بحدوث فارق نوعي عن المسيرة الحكومية غير المرضي عنها، ما العمل  لتغيير هذه الصورة؟  وكيف يمكن تغيير اجواء الاحباط والجدال المستمر والمعارك الاعلامية المتواصلة؟  نحتاج في العراق فعلا الى خطوات حكومية كبيرة تتبلور بصورة مشروع يتضامن فيه الجهد العملي للوزارات والمؤسسات والهيئات والشركات والافراد مع جهد اعلامي وثقافي لنصنع فارقا عمليا بين حالة الجمود والكسل والاحباط والترقب الى حالة التفاؤل والمشاركة والعمل والسير الحثيث نحو تحقيق الاهداف، هذا يعني بوضوح تحويل المزاج العام في البلاد الى مزاج مبادر وفعال وبناء، وذلك لن يتحقق بخطاب سياسي استعراضي ولا بخطاب اعلامي جعل اولوياته تكريس الاحباط واشاعة التشاؤم والاستغراق في الفضائح والمناكفات وتعميق الانقسام بين الزعامات والكتل والطوائف والاقوام،  ،نعترف بصراحة
 ان الخطوة الاولى الضرورية هذه لايمكن الشروع بها دونما اعداد مسبق من جانب الحكومة وتصميم على احداث فرق واضح في اليات العمل الحكومي، ليمارس  الاعلام بعد ذلك مسؤوليات التعبئة والتوجيه تماما كما حصل في فترة حرب تحرير المدن من براثن الارهابيين، لقد كانت الحرب مشروعا وطنيا خفت فيه الصراعات السياسية وتغيرت لهجة الخطاب الاعلامي وساد شعور وطني عام بضرورة كسب الحرب وتحقيق الانتصار، 
وقدم العراقيون نماذج رائعة في الشجاعة والاخلاص ونكران الذات والوحدة الشعورية والنفسية، بالامكان اعادة هذه الروح عندما تنجح الحكومة في بلورة مشروع واضح ومقنع يكون اولوية وطنية ويقدم كعلامة فارقة بين زمنين زمن الاضطراب والفوضى والتراجع وهشاشة الدولة وضعف انفاذ القانون، وزمن النهوض والتطوير والتحديث واعادة بناء الدولة وفق مقاييس عصرية وباساليب عصر العولمة لا عصر ما قبلها، امامنا تجارب  عالمية عديدة نحتاج الى النظر فيها وترسيم نموذجنا الخاص .بامكان الحكومة ايلاء الجانب الاقتصادي اولوية قصوى لتحريك امال الناس واجتذاب طاقاتهم ورساميلهم وتحفيز مشاعرهم، اذ لا يمكن تحقيق نهوض عمراني ونمو اقتصادي اعتمادا على فعاليات الجهد الحكومي المتخلف والبطيء، حتى على مستوى البنى التحتية التي 
هي مسؤولية الحكومات عادة، يمكن اشراك احاد الناس والمؤسسات الاقتصادية والمالية الصغيرة لاجتذاب راس المال الوطني واعادة تزريق مدخرات الافراد الجامدة في مشاريع تدر ارباحا في المستقبل، يبدو لي ان لا حل لمشكلة بيروقراطية الوزارات والادارات الحكومية باصلاح اداري متعثر وحوكمة الكترونية يقف بوجهها الموظفون انفسهم، وجهاز مصرفي يرفض العصرنة  ومكتف بارباح مزاد  العملة، الا بقفزات نموذجية يقودها القطاع الخاص وتراقبها الدولة بمعايير صارمة، فبناء مدن جديدة  وموانئ وتحديث الخطوط الحديدية وتوسيع الطرق والمطارات وتشييد المستشفيات وتنظيف المدن وتأسيس مناطق صناعية والاستثمار في الطاقة المتجددة ومشاريع المصافي ،كل ذلك يحول اهتمامات الجمهور الى اهتمامات بناءة وايجابية تنقذ البلاد من بؤس صورتها وسوداوية اجوائها وغلبة التشاؤم على مستقبلها، نحن بحاجة فعلا الى الترويج العملي لمقولة العراق ينهض من جديد على اعتاب العقد الجديد
 من الالفية الثالثة.