مزارعو حراز والعودة للذهب الأسود

بانوراما 2020/09/04
...

بيثان ماكيرنان وحسين ناصر
 
  ترجمة: ليندا أدور
في حراز اليمنية، يعمل الفلاحون والمصدرون على بث حياة جديدة لمنتوج يلقى طلبا ورواجا عالميين. ففي تلك المنطقة المؤلفة من مجموعة قرى تعود للقرون الوسطى والواقعة في المرتفعات الجبلية لليمن، يشعر سكانها بأنهم بعيدون تماما عن الدمار الذي ألحقته الحرب الأهلية بالبلاد، حيث تخيّم السحب على الشرفات الخضراء معانقة منازل تشبه “خبز الزنجبيل” المعلقة على سفوح الجبل، ما يجعلها تتمتع بظروف بيئية فريدة، لانتاج أفضل أنواع البن في العالم. 
يصدر اليمن البن الى العالم منذ القرن الخامس عشر، ومنها منح ميناء “مخا” على البحر الأحمر اسمه “الموكا” القهوة اللاتيه (القهوة المخلوطة بالشوكولاته). 
بالرغم من كون أثيوبيا موطنا لها، فقد تطور نبات القهوة بالشكل الذي يعطينا المشروبات العصرية الحديثة من أيدي الأديرة الصوفية اليمنية، اذ كانوا يتشاركونه مع التجار والحجاج، وفي نهاية المطاف، نجحت القهوة بشق طريقها نحو القسطنطينية (ما يعرف اليوم باسطنبول) وبغداد ولندن وهو الأمر الذي قاد لظهور المقاهي.
 
الأرض ترد الإحسان
 اليوم، يقدر حجم صناعة البن العالمية بأكثر من 61 مليار جنيه استرليني، ما يجعل القهوة السلعة التجارية الأعلى قيمة في العالم بعد النفط
بالرغم من ذلك، فإن عقودا من عدم الاستقرار السياسي قد تؤشر لوجود تذبذب في جودة وتوافر حبوب البن اليمنية، لكن، الآن، عقدت مجموعة من المزراعين والمصدرين العزم على استعادة سمعة اليمن كموطن “للذهب الأسود”.
يقول المزارع حسن أحمد السالول (35 عاما)، بأن: “ تزرع أسرتي البن هنا منذ 200 عاما”، مضيفا: “كنت أملك متجرا لقطع غيار الدراجات النارية في صنعاء، لكن، مع اندلاع الحرب، عانت الكثير من الاعمال من الركود، وقد عانيت لاستيراد قطع الغيار من الصين، ثم عدت الى موطني الأصلي وقررت تجربة زراعة البن، وها أنا أشعر براحة كبيرة هنا والعمل هنا مجز، فإن أحسنت معاملة أرضك، سترد لك احسانك”.
لطالما عانى اليمن من مشكلات مزمنة تتعلق بإدارة المياه، وهي المشكلة التي تفاقمت نتيجة شغف البلاد بنبات القات، النبتة ذات الأوراق بمفعولها المخدر الخفيف التي يمضغها معظم الرجال.
تستخدم، على أقل تقدير، نصف المياه التي يتم سحبها من المياه الجوفية، لأغراض زراعية كزراعة القات، المعروف بسرعة نموه، لكن ليس كنبات الذرة او الشعير التي تحتاجها البلاد، غير المؤمنة غذائيا، بشدة.
 في حراز، كان عدد السكان المحليين الذين قرروا ترك زراعة القات وإزالته من أراضيهم، يزداد أكثر فأكثر، ليتجهوا نحو زراعة القهوة بدلا من ذلك، والتي تعد خطوة قد تحدث ثورة في الزراعة باليمن، وقد تم بالفعل إزالة نحو مليوني شجرة قات من المنطقة واستبدلت بأشجار القهوة والذرة خلال العقد الأخير. 
 
تفاؤل بمستقبل
لا تزال زراعة القهوة تعد عملا شاقا، اذ يستغرق المحصول مواسم عدة حتى يصل مرحلة النضج، وهو ما دفع بالعديد من الفلاحين لطلب التمويل للبدء به، وتوفر شركات التصدير الصغيرة قروضا دون فوائد، فضلا عن تدريبها للمزارعين على استخدام أجهزة تحليل الرطوبة وأحواض التجفيف الحديثة والأسمدة العضوية.
يتم جمع حبوب القهوة الحمراء الناضجة ومن ثم تجفف وتترك ليتم بعدها فصل الحبوب عن القشور يدويا، غالبا ما تتعرض الأراضي المرتفعة للجفاف، لذا يلجأ المزارعون، وحسن السالول واحد منهم، الى بناء سدود صغيرة تعمل على توجيه مياه الأمطار في الجبال نحو قنوات.
قد تعني الظروف الصعبة ان المحاصيل محدودة، لكن ما ينتج في حراز يحظى بشهرة عالمية بسبب تفرده بالنكهات المتنوعة كالكراميل والشوكولاته والتوابل والفانيليا، فضلا عن نكهات أخرى كالليمون والجوافة والتوت البري والتفاح، يبلغ سعر كيلو القهوة الذي يبيعه السالول 18 دولارا، ويباع المنتج، الذي يسعى اليه الكثير من المشترين في كل من السعودية وكوريا الجنوبية واليابان والولايات المتحدة، بسعر قد يصل الكيلوغرام الواحد منه الى نحو 500 دولار لواحد من أغلى وأفضل انواع البن في العالم.
يشعر المشترون، مثل أحمد طاهر، بالفخر لكونهم يدفعون لمزارعي حراز ومنتجيها مبالغ جيدة بهدف تشجيعهم على ممارسات أفضل وإعادة تأسيس صناعة البن في اليمن.
يقول طاهر: “متفائلون حول مستقبل ونمو هذه التجارة، فالطلب عليها في تزايد، ويعود لجودة منتجنا، كما هو مفهوم”، مضيفا: “لم أكن اعتقد ان الحرب يمكن ان تكون لها تأثيرات ايجابية لكن الكثير منا أعاد اكتشاف جذوره في آبائنا وأجدادنا”. 
 
* صحيفة الغارديان البريطانية