ذوالفقار يوسف
مُنذ أن اقتنعَ القلبُ بالشجون، وفي بداية بوادر الآهات لمطلع الروح الفتية، عند غلبة الدموع على الحسرات، عرفنا الحُسين، سيد الأحزان الأبدي، وفارس العبَرات المتلألئ، فقد حملت جدران منازلنا صولات الأنين له بلا مقدمات، وبادرت تلك الصلوات الغامضة في أيامه هذه تتناثر بسقوف الظنون، وبإيمان حار خضعنا لفتنة النفوس لنبكي عليه بما تبقى لنا من دموع، فهو في النهاية ذلك الشهاب الذي أغنى أحلامنا بالتقوى، لذلك قد رُبط بحزن في كل تفاصيل حياتنا بلا منافس، وربطناه بكل ثوراتنا وأفكارنا العظيمة ضد مصادر الظلم، وما ان تيقنا من قرب الروح وامتزاجها مع أمير الطفوف، اقتنعنا بألّا حياة بلا عاشوراء وحسينها، واستنبطنا أن هالته المقدسة أضحت كفرد في كل أسرة، وكما وجوده ربط ذلك الحزن على فقدانه، بفقداننا لأحبائنا، حاولنا أن نقنع الروح بأنه حتى الأحزان مختلفة في مضامينها، ولكن هيهات فإن للروح قراراتها، ففي مجالس الحزن على شهيد العبرات، تلطم تلك النساء وجوههن لفقد أحبابهن مع الحُسين، كأنه قد مُزج بكل أسرة أبتليت بالفقد، أرى أمي وهي تهمس بشفاهها عند كل لطمة لفقدها أخي الشهيد علي، فالنساء يصحن ياحُسين وتصيح يا بُني، وأخرى تنادي يا أبتاه، وثالثة يا أخي، لم يكن هذا الارتباط عيباً، ولم يكن تقصيراً بحق سيد شباب أهل الجنة، بل إقراراً بحضرته في كل منزل، عند كل نزعة شوق واحتياج، أما نحن الرجال فلنا حصتنا من هذه الرابطة، نرى أخاه العباس، فنرى الإخاء، ذلك الشعور المقدس، حتى حينها أننا نخاف التقرب في الشعور أكثر، نهرب من عمق ذلك الوادي من الاحاسيس لكي لا تؤذينا، نبكي فتتوزع الدموع وتُقتسم، تقترن روح كل من فقدناه بمصاب ذلك الشهيد المقدس، ونتساءل هل في ذلك ذنب؟، هل تستحق حينها دموعنا على من فقدناه؟، هل سيُعترف بها عند حضرة الإله؟، أم هل ستوثق في ذلك الكتاب الذي حُدد لمن ستفوز دموعه على الحُسين؟، أن يرتسم ذلك التعبير بفناء السعادة على ملامحنا كلما ذكر، فإننا قد نافسنا الفرح منذ صغرنا عند ورود ذكره، واعتلينا جبل التنهيدات عند إقبال ملحمة أيام جهاده، غريب هذا الحزن الذي نعشق أيامه ولا نريد مفارقتها، فكيف يعشق الإنسان الحزن اذا لم يكن الحُسين بين أسرته وقد أحياه الله؟!.