داراسا.. رجل أفريقيا الوسطى الخطير

بانوراما 2020/09/07
...

  ايرومو ايغبيجيول
  ترجمة: بهاء سلمان
بعد فترة قصيرة جدا من توقيع اتفاقية سلام خلال العام الماضي، أصدرت جمهورية أفريقيا الوسطى مرسوما رئاسيا، أدرجت فيه أسماء 14 زعيما لمجاميع مسلحة تفرض سيطرتها على غالبية أجزاء البلاد، والتي تصل مساحتها الى ما يقارب مساحة ولاية تكساس، وعيّنتهم كمستشارين حكوميين.
 
اتفاقية السلام الأخيرة، الموقّعة في العاصمة الســــــــــودانية الخرطوم بحضور وسطاء يمثلون الاتحاد الأفريقي، كانت السادسة من نوعها منذ أواخر العام 2012، حينما اندلــــــــــــع صراع سياسي أدى الى حدوث أزمـــــــــــــــــــــة انسانية، تركت ما يقارب من ثلاثة ملايين فرد، يؤلفون 63 بالمئة من أعــــــــــــــــداد السكان، في حاجة ماسة الى المعونة، وفقا لتقارير الأمم المتحدة.
خلافات ومحاباة
بقي بعض قادة التمرّد في الحكومة، بينما انشق البعض الآخر،. أحد اولئك المنشقين كان «علي داراسا»، رئيس حركة الاتحاد من أجل سلام جمهورية أفريقيا الوسطى، الذي يتم التودد اليه مجددا من قبل حكومة تسعى لاحلال السلام مهما كلف الأمر، وضمن محاولته الأخيرة قبل بضعة الشهر، استقدم رئيس الجمهورية فاوستن اركانيج توادورا بشكل متكرر داراسا الى العاصمة بانغوي بطائرة مستأجرة على حساب الدولة، مانحا إياه بعض المال، وطاردا أحد الوزراء المهمين، والذي كان أمير الحرب قد أوصى بتعيينه مسبقا، بناء على طلبه.
وشأنه شأن غالبية رجال التمرد من أمثاله، والذين يعدون بالمئات، ينتمي داراسا الى قومية فولا، وهي اثنية تنتشر عبر غرب ووسط أفريقيا؛ وهو لا يجيد التحدث باللغة الفرنسية ولا لغة سانغو، اللتين تعدان من اللغات السائدة في جمهورية أفريقيا الوسطى. نشأ راعي الماشية السابق في دولة تشاد المجاورة تحت وصاية مرشده، «بابا لادا»، حيث كان الرجلان جزءا من حركة سيليكا، وهو تحالف متمرّد من غالبية مسلمة تمكن من خلع فرانسوا بوزيزيه، رئيس البلاد آنذاك خلال فترة الهيمنة المسيحية، مع نشوب أزمة ذات جذور دينية سنة 2013. ومنذ ذلك الحين، تواجهت مجاميع المتمردين مع بعضها البعض، بعدما اصطدمت بالبداية ضد مجاميع مسلحة مسيحية، تدعى ميليشيا انتي بالاكا.
تسللت الأبعاد الأثنية والطموحات الانفصالية أيضا الى داخل المجاميع المسلحة. وحاليا، تنشغل جماعة داراسا، التي تسيطر على وسط البلاد، في معارك دموية ضد حركة الجبهة الشعبية للنهضة في جمهورية أفريقيا الوسطى، وهي جماعة أخرى تتألف بشكل رئيس من مسلمين ينتمون الى إثنية أخرى، وتسعى الى الانفصال عن البلاد، وتحالف هذا الفصيل المسلح مع فصائل من خصومها السابقين المنتمين الى (انتي بالاكا) لمقاتلة جماعة داراسا، كما اشتبكت أيضا مع قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام المتمركزة في العاصمة.
 
التحصّن بالسلطة الشرعيَّة
مع ازدياد سوء حالة الاضطرابات، وتدفق موجة من «الجهاد» عبر منطقة الساحل المترامية الأطراف، يسعى سماسرة القوى الجدد من أمثال داراسا الى الاندماج داخل الحكومة لكسب بعض الشرعية لأنفسهم. وهناك احتمال بسيط في وصول مصير داراسا الى ما وصل اليه لادا، الذي حكم عليه بالسجن لمدة ثمانية أعوام في تشاد، قبل أن يتم اطلاق سراحه على نحو غير متوقع قبل عدة شهور، أو كما كان مصير أحد قادة التمرد السابقين في البلاد والنائب الحالي في مجلس النواب الفريد «رامبو» ييكاتوم، والذي ينتظر محاكمته على جرائم حرب لدى المحكمة الجنائية الدولية. الأكثر احتمالا يكمن في أرجحية دخول داراسا في عرض للقوة خلال الانتخابات القادمة.
هانز ديماري هيونغوب محلل خبير بشؤون أفريقيا الوسطى لدى مجموعة الأزمات الدولية. يقول هذا الباحث إن عدم قناعة بعض المجاميع المتمرّدة باتفاقية السلام ربما سيمثل مشكلة مع سعي الرئيس توادويرا الى اعادة انتخابه شهر كانون الأول القادم. يقول هانز: «يبقى الأمر غير واضح في ما يتعلق بنوع التهديد الذي يواجه البلاد، فغالبية المجاميع المسلحة تنفر من الرئيس، بيد أن نفورها من المعارضة أكبر. وحتى لو أرادت المجاميع المسلحة إعاقة اقامة الانتخابات بشكل مباشر، أنا لدي حاليا شكوك بامكانيتها فعل ذلك، حيث ضعفت قدراتها بشكل لافت للنظر خلال الشهور التسعة الماضية».
ومع ذلك، لا تزال قوة داراسا بعيدة تماما عن التضاؤل، فهو بوسعه ممارسة دوره في لعبة طويلة المدى لاعادة نفوذ خفي كصانع ملوك أفريقيا الوسطى.
 
مجلة اوزي الأميركية