المدارس تعيد تعلّم قيمة التلفزيون

بانوراما 2020/09/08
...

  بنجامين مولر
 
  ترجمة: خالد قاسم
تتحول المناطق الفقيرة في العالم، حيث يصعب الحصول على الانترنت الى التلفزيون للتواصل مع الطلبة، وقد تساعد هذه الستراتيجية أيضاً في الدول الثرية التي ركزت على التعليم الرقمي.
في أحد الأحياء الشعبية للعاصمة البيروفية ليما، لا يبدأ اليوم الدراسي بصخب الطلبة وانما بتشغيل جهاز التلفاز، لأن المدارس مغلقة الى أجل غير مسمى، وتتلقى «ديليا هواماني» دروسها منزلياً عبر مكتبة وطنية جديدة من البرامج التعليمية المنتجة ببراعة.
هذا الحل البديل بعيد تماماً عن الكمال، وتقول ديليا البالغة من العمر عشر سنوات ان ذويها لا يستطيعون تحمل تكاليف الكتب وتفتقد القراءة عن الحيوانات في مكتبة المدرسة، وليس لديها أحد يتابع واجباتها المدرسية، وتعتمد على صديقتها كاتي باوتيستا التي تتمنى سؤال المذيعين ابطاء كلامهم خلال تقديمهم الدروس الصعبة.
على الرغم من كل قيوده تبقى للتعليم التلفزيوني ميزة كبيرة جدا وهي قدرته على الوصول الى تفكير ديليا وكاتي والكثير غيرهن ضمن نحو مليار طفل حول العالم أغلقت مدارسهم بسبب وباء كورونا.
 ففي الدول الثرية ركز النقاش بشأن التعليم عن بعد على كيفية جعل الدراسة الرقمية تفاعلية وجذابة، لكن هذا الحديث يعد رفاهية للكثير من طلبة العالم ومنهم الملايين في الدول الغنية ممن لا يمتلكون اتصالات انترنت أو أجهزة كمبيوتر.
بعد عقود من تراجع أهميته أمام الاستثمار الكبير نتيجة لتعلّم الانترنت، يعود التعليم التلفزيوني مجددا للواجهة، وتتحول الحكومات والجهات التعليمية حول العالم نحو التقنية الأقدم على أمل تجنب نكسة طويلة المدى لجيل كامل من الأطفال.
استنجدت تلك المؤسسات بجاذبية الممثلين المشهورين محليا ومذيعي الأخبار، اضافة الى المعلمين، لكسب اهتمام الطلبة بدءا من رياض الأطفال الى الثانوية، ويقولون انهم يهتمون بالدرس الأساسي لعهد يوتيوب، أي كلما كانت المحاضرة أقصر وأكثر أناقة فذلك أفضل.
 
انتاج متطور
مع إن دروس التلفزيون لا تعد بقيمة التفاعلات الرقمية نفسها مع المعلمين والطلبة الآخرين، لكن البث التعليمي مربح لتطور الأطفال الأكاديمي ونجاحهم وظيفيا وحتى لتنميتهم الاجتماعية.
تستخدم الدروس التلفزيونية كل أدوات الاستوديوهات الاحترافية مثل الرسوم ثلاثية الأبعاد ولقطات متعددة الكاميرات والغرافيكس وتطبيقات الهواتف الذكية وكتّاب السيناريو. 
في الولايات المتحدة، حيث يتنوع التعليم على نطاق واسع لأنه من اختصاص الحكومات المحلية، أولت بعض المناطق اهتماما ضئيلا لتطوير التعليم عن بعد، وركزت بدلا من ذلك على محاولة بائسة لإعادة فتح المدارس. وعملت مناطق أخرى جاهدة لتطوير برامج رقمية قوية، لكن ذلك لا يشمل أربعة ملايين طفل ليس لديهم انترنت في المنزل، وهي صعوبة تنتشر بين الطلبة السود واللاتينيين والسكان الأصليين.
يعد التلفاز مكملا واطئ الكلفة للتعليم الرقمي وخط نجاة للطلبة ذوي الموارد القليلة، وتوجد قائمة هائلة بالبرمجة التعليمية، لكن محللين يقولون ان صانعي القرار أضاعوا فرصة لاستغلال تلك البرامج.
لجأت دول كثيرة منذ الربيع الماضي الى التعليم التلفزيوني، مع ستراتيجيات متنوعة، وتتراوح البرامج بين تسجيلات لمحاضرات مدرسية الى رسوم كارتونية تعليمية، ومن جهود محلية الى أخرى وطنية، ويركز البعض على مجموعة سنية معينة، لكن دولا أخرى مثل بيرو تبنت المنهاج الدراسي الوطني لكل الصفوف.
عرضت بعض مناطق الصين مزيجا من الصفوف الرقمية والتلفزيونية، لكن مقاطعة سيشوان اختارت اذاعة كل دروسها تلفزيونيا لأن الحكومة قالت انها قلقة من تمضية الطلبة وقتا طويلا جدا على أجهزة الكمبيوتر.
أما في تنزانيا فقد قررت منظمة «أوبونغو» المتخصصة بانتاج أفلام كارتون تعليمية أن تعرض برامجها مجانا على محطات التلفزيون بجميع أنحاء أفريقيا، وبدأت محطة التلفزيون العامة «أن جي تي في» ضمن محطات نيوجيرسي بالعمل مع اتحاد معلمي الولاية لانتاج برامج مدرسية بعد معرفتها أن 300 ألف من أطفال الولاية ليس لديهم انترنت.
ساعد الوباء في اندونيسيا أيضا بإحياء شبكة تلفزيون مملوكة للدولة كانت تخسر المشاهدين لصالح المحطات الخاصة ونتفلكس، ولا يمتلك ثلث سكان الدولة اتصالا بالانترنت لذلك بدأت محطة «تي في أر آي» باذاعة برنامج الدراسة من المنزل في نيسان للأطفال بجميع الأعمار.
 
معارضة الأهالي
لم يكن جميع الآباء متقبلين للفكرة، فعلى سبيل المثال يقول اندونيسيون عدة انهم لا يمتلكون مستوى تعليميا مناسبا أو وقتا كافيا لتولي مسؤوليات التدريس داخل المنزل، ويطالب كثيرون باعادة فتح مزيد من المدارس، رغم أن جزءا صغيرا من البلاد يعد آمنا لذلك.
استفاد مسؤولون في البرازيل من عمل مركز إعلام الأمازون الذي تأسس عام 2007 لتوفير دروس تلفازية لصالح 300 ألف طالب بالمناطق النائية، ومنذ تفشي الوباء اتسعت البرامج الى عدة ولايات برازيلية، اذ يكيفها المعلمون لثقافات وأنماط تعليمية مختلفة، وشاهد البرامج قرابة خمسة ملايين طفل.
يقول محللون ان من المبكر جدا معرفة مدى فعالية التدريس التلفازي خلال فترة الاغلاق، لكن هناك أدلة متناثرة تشير لفعالية المحاولات السابقة، ففي المكسيك هناك برنامج قديم يبث دروسا بالمناطق الريفية دفع الأطفال للبقاء في المدرسة لفترة أطول ويكسبون المزيد عند توظيفهم. 
صممت بعض المناطق وسائل تساعد المدرسين على مراقبة تقدم الطلبة من أجل علاج أكبر عائق في التعليم التلفازي، وهو نقص التفاعل والاستجابة العكسية من المعلمين، ويعتمد كثير منهم على الهواتف النقالة الأكثر شيوعا بين دول العالم الفقيرة بدلا من اتصالات البرودباند.
لقد تعرضت بيرو، التي يزيد عدد سكانها على 32 مليون نسمة، الى واحدة من أسوأ موجات الوباء بأكثر من 500 ألف اصابة و25 ألف وفاة، ويمتلك 15 بالمئة فقط من طلبة المدارس اجهزة كمبيوتر في منازلهم، لذلك أصبحت الدروس التلفازية أسلوبا مسيطرا خلال الوباء، وبدأ تطبيق التعليم التلفزيوني هناك خلال الستينيات، لكن البرامج تلاشت خلال الأزمات الاقتصادية والسياسية في الثمانينيات، اذ تخلت الحكومة عن هذا المجال لصالح القطاع الخاص، وجمعت بيرو برامج معدة مسبقا من المكسيك والأرجنتين عند بداية الوباء، ومن ثم أسست نظامها التعليمي التلفازي الخاص بها ووعدت الحكومة ببقاء هذا الأسلوب حتى بعد القضاء على الفيروس.
 
صحيفة نيويورك تايمز الأميركية