نزار عبد الستار

في القرن التاسع عشر كانت أوروبا تعج بالمعجزات العلمية والاختراعات المبهرة، بينما القلة الباقية من العقلاء كانوا يتوعدون العلماء المجانين، والادعياء من أصحاب الشطحات المجدّفة، بعقوبة إلهيَّة مدمرة تطيح بهم وتعيد زهو الزمن

 الهيليني.

البشرية وعبر تاريخها المرير كانت تتطلع الى الخلاص من شيئين: الأوجاع الجسدية ومشقة الأعمال، ولم يكن بحوزتها سوى الاعتقادات الخاطئة، كما أنَّ العلوم القديمة، ومنها الطب، كانت غير متفقة على شيء، ومن الصعب على الجميع التساوي في المكتسبات، لأنَّ نبيل النسب ليس كالإنسان الوضيع، والغني ليس

 كالفقير.

جاء العلم ليكون حاكماً عادلاً، ومبشراً جديداً بالخلاص من الأوجاع والمشقات، وتبارى الجميع لتسجيل السبق، وأخذ العلامة التجارية، لكنَّ العالم وقتها كان أسير فكرة التجزئة والباعة المتجولين الذين تركوا الاتجار بالمستلزمات الحياتيَّة التقليديَّة وانشغلوا بالاحتيال على الناس واستغلال التقدم العلمي لعرض منتجات من وحي 

الخيال.

انتشر في كل أنحاء العالم باعة متجولون يروجون لاكسيرات سحريَّة عجائبيَّة تقدم الحلول لكل أنواع الأزمات وكانت كلها عبارة عن محاليل ملونة معبأة في زجاجات عليها ملصقات مكتوب في أسفلها كلمة (اورجينال). الفكرة الأساس التي شاعت بين العامة هي أنَّ هذه المنتجات لها القدرة على تغيير الحال؛ والسبب أنها تتوجه لمشكلات بعينها كإزالة شحوم البطن وقتل الديدان والقضاء أبدياً على مشكلات الهضم، وهناك منتوجات لاستعادة الشباب والتمتع بقوة جبارة. كل هذه المنتوجات كانت (اورجينال) ولها القدرة على إقناع الجمهور وجذبهم. لم تفقد هذه المنتوجات قوتها حتى مع فشلها المريع وتسببها بحالات تسمم عدة، فالناس في أميركا وأوروبا كانوا يحبون كلمة (اورجينال) التي باتت العلامة الأكثر رسوخاً في قضايا الدعاية والإعلان.

تغير العالم وصار أكثر واقعيَّة مع تصاعد الصناعات العسكريَّة التي أنتجت لاحقاً الحرب العالمية الأولى، وهنا عادت كلمة (اورجينال) للظهور مجدداً بين الجنود في المعلبات والمراهم ومستلزمات إدامة زخم القتال. 

مع نهاية القرن العشرين الكثير من المحاليل الملونة التي كانت تباع كأحلام أصبحت حقيقة وبات ألق الكلمة السحريَّة قائماً في مجالات اخرى كثيرة لكن الدرس الكبير الذي خرجت به العقلية التجارية بعد قرنٍ ونصف من الابتكارات والصراعات الاقتصاديَّة هي أنَّ الكلمات تدر الأموال أكثر من البضائع نفسها.