تغيّر اللغات المحليَّة الحديثة في استراليا

بانوراما 2020/09/14
...

 ويل هغينبوثام
 
 ترجمة: شيماء ميران
تشكل اللغات الحديثة جسراً بين اللغات المحلية القديمة ومستقبل هذه المجتمعات وثقافاتها، إذ كانت اللغات المنطوقة في قارة استراليا قبل الاستعمار الاوروبي اكثر من ثلاثمئة لغة، وهو انعكاس للتنوع الثقافي بين سكانها الاصليين، ولم يتبق اليوم سوى ما بين اربعين الى ستين لغة لا يتعلم الاطفال اكثر من نصفها.
مع ان طبيعة اللغة الديناميكية تمنح بعض السكان المحليين واللغويين ما يشجعهم، إذ تُظهر الاجيال المحلية الشابة مجموعة لغات جديدة، احداها تدمج بين القديمة منها والانكليزية الحديثة.
ومن بين اللغات الاكثر انتشاراً هي «الكريولية» والتي ينطق بها نحو عشرين الف شخص تقريباً يتركز معظمهم شمال ووسط استراليا.
ميزها اللغويون، لأول مرة، كلغة جديدة منفصلة في سبعينيات القرن الماضي، لكنها اصبحت لاحقا وسيلة للتواصل بين الحكومات والسكان المحليين حتى العام 2014 حين بدأت هيئة الاذاعة الاسترالية الوطنية (ABC) ببث نشرات الاخبار باللغة الكريولية، مشيرة لما يعتقده الخبراء من تزايد ثابت في أعداد ناطقيها، لكنها تختلف عن الكريولية الشائعة في الاميركيتين.
ويَشرَع اللغويون ايضا باكتشاف المزيد من اللغات المشتقة من الكريولية والمنحدرة برصانة من لغات قديمة، منها (كورندجي كريول) و(لايت وارلبيري) الشائعتان اللتان ينطق بهما خمسمئة شخص تقريبا، وقد تطورتا نتيجة تمازج المجاميع السكانية المحلية، ولم تُعرف (لايت وارلبيري) كلغة منفصلة حتى العام 2013.
تمثل هذه اللغات بالنسبة لكثيرين مثل (اوليف نايت) المنحدرة من مجتمع صحراوي صغير في منطقة كيمبرلي غربي استراليا الهوية الحقيقية والحل الوسط بين اللغات القديمة والانكليزية.
تنطق نايت لغة (والماجاري) المحلية مع الفٍ آخرين لكن أعدادهم تتضاءل.
تقول نايت: «ان لغة (كريول) هي الاقرب للغاتنا التقليدية، واعتقد من الجيد أن تحافظ الاجيال الشابة على قوتها في المحافظة على الوسطية بين الانكليزية ولغاتنا 
الثقافية».
واوضحت نايت التي تعمل مترجمة ولغوية في مكتب الترجمة الفورية غرب استراليا ان الكريول تتمتع بمستقبل مزدهر اكثر من غيرها، وتقول: «احاول التحدث بلغة «والماجاري» مع احفادي قدر المستطاع لتوريثها اليهم.
لكن الكبار ينقلون اللغات القديمة التي ينطقونها بطلاقة، هكذا الامر رغم انها لا تُدرس في المدارس».
ولا تزال الكريول وفروعها بالنسبة لكثير من المواطنين المحليين تحمل دلالات ثقيلة للاستعمار، ورغم تسبب الاوروبيين بفقدان اللغة القديمة لكنهم جعلوا الكريول تزدهر، لان البحارة الاوروبيين الذين وصلوا استراليا اواخر القرن الثامن عشر كان عليهم إيجاد طريقة للتواصل مع 
السكان المحليين، فانبثقت لغة انكليزية مشبعة بمصطلحات محلية واصبحت تعرف بلغة (بورت جاكسون بيدجين الانكليزية) التي انتشرت من نيو ساوث ويلز وحتى الشمال.
 
ولادة لغات جديدة
قللت حروب الحدود عدد ناطقي اللغة القديمة، واعطت الاولوية لمهام تعليم الانكليزية، فتعلّم الكثير من الاستراليين المحليين الانكليزية بعد عدة اجيال عبر منظور لغاتهم الأولى، وبمرور الوقت ومن خلال التمسك بهذا المزيج تحولت الى لغتهم الخاصة فولدت الكريول.
تقول اللغوية والاستاذة في جامعة كوينزلاند (فيليسيتي ماكينز):» هكذا اصبحت الكريول لغة بحد ذاتها لها كلماتها التي صِيغت من الانكليزية واللغات المحلية الاصلية واصواتها وقواعدها الخاصة بها، أما الكورندجي فلم تختف بسبب هيمنة الكريول، وانما تبدلت المصطلحات بين اللغات البالية الى لغة جديدة تسمى (كورندجي كريول)».
تعد لغة (لايت وارلبيري) مزيجا من لغات وارلبيري والكريول والانكليزية ينطقها مواطنو مدينة لاجامانو في الاقليم الشمالي ومعظمهم تحت سن الاربعين.
وكثيرا ما يتعلّم حديثو الولادة في هذه المجتمعات اللغات الجديدة وليس الانكليزية او اللغات القديمة. تقول ماكينز: «ان ذلك قد يُحزن بعض الاجيال الاكبر سنا ممن يرون في لغاتهم القديمة رابطا لثقافتهم وهويتهم».
يشير الخبراء الى ان معظم الاستراليين لم يكونوا عرضة لظهور تلك اللغات الجديدة، وهناك تركيز قليل على تعليم اللغات المحلية في المدارس، رغم ان بعض الولايات افضل من البقية، مثل حكومة ولاية نيو ساوث ويلز التي حاولت توجيه الجهود لانعاش اللغات المحلية عبر لجنة مستقلة من خبراء اللغة المحلية. لكن ماذا عن الاقتصاص الجديد للغات؟، تقول استاذة اللغويات في جامعة أستراليا الغربية (مايا بونسونيت): «لا أعتقد أنهم يسجلون الكثير مع صانعي السياسة، بل ان الاهتمام قليل جدا بهذه اللغات في مجتمع استرالي أوسع».
 
 * عن مجلة اوزي الاميركية