مالك مسلماوي
كلمة الشقاوة مخيفة كانت ترهب الجميع، اسم لمن انمحى اسمه فكانت الشهرة اولى به.. يذكر الجيل الماضي ذلك، وكلٌّ لديه من القصص المثيرة، حتى بات الشقاوة أقرب الى كائن أسطوري يخافه الجميع وهو لا يخاف حتى الله.. والسلطة كانت تهابه وتداهنه فهو يمتلك من البطش والقوة ما لا يمتلكه أحد غيره وغالبا ما توظفه السلطة لمعالجة ما تعجز عنه في الضبط الاجتماعي.
وان كان (الشقاوة) خارجا عن القانون فلا يجرأ أحد على الشكوى منه لدى السلطة، خوفا من بطشه.. والشقاوة لا يهاب السجن فمرة يزوغ ومرة يذهب على قدميه الى مركز
الشرطة.
(الشقاوة) في اللغة: الشقاء فهي مصدر الفعل (شقيَ) والشقيّ هو التعس وفي التنزيل "فمنهم شقيٌّ وسعيد" 105 هود. ومن معانيها (ضال)، وخارج عن القانون. واعتادت الناس ان تشير اليه بالمفهوم (شقاوة) واحيانا بالصفة فتسميه (شقيّ).
كان في كل مدينة (شقيّ) يفعل ما يريد ويأمر وما على الناس الا الانصياع والقبول وتجنب الشر، ومع هذا الظلم الا أن الكثير من ينظر للشقاوة نظرة اعجاب لما له من قوة ورجولة وجرأة لا تتوفر لغيره.
و(الشقاوة) ظاهرة اجتماعية مألوفة في الزمن المنصرم، زمن يؤمن ويحترم القوة ويعدها ابنة الشجاعة والفروسية التي لها التقدير البالغ في التراث العربي، وهذا له علاقة ما مع ظاهرة اخرى هي (اللصوصية) الشائعة آنذاك لتردي الاوضاع الاجتماعية وتفاقم الفقر وقد وضعت لها اعراف واخلاقيات معروفة يتمتع بها اللص المحترف تحاكي سلوكيات الفرسان والصعاليك
القديمة.
لذا تداول الناس قصصا عن لصوص يمتهنون السرقة ولكنهم لهم مواقف نبيلة بالضد من سوء المهنة، واذكر ان رجلا بالستين من عمره زارني في بيتي بعد ان عُيّنتُ مدرّسا في الريف، وفي مجال تقديم نفسه لي اخبرني مفتخرا بأنه كان (حرامي) وسرد لي مواقف كثيرة عنه وعن زملائه. اشارة الى ان (الحرمنة) ليست عيبا وان كانت ظلما وتجاوزا، وتلك مفارقة غريبة في مجتمعات يحكمها التخلف والنكوص.
ويقينا ان كل ظاهرة اجتماعية لها مبرراتها الموضوعية، فما هي اسباب وجود ظاهرة (الشقاوة)؟، وبماذا يختلف الشقي عن غيره؟ ففضلا عن ارتباطها بالفروسية والبطولة التي اشرت اليها، مما يعني توافر الشخصية على تفرد من حيث الاقدام والجرأة ونكران الذات وما الى ذلك، الا ان الشقاوة مفهوم مشوه عن الفروسية العربية، فالفارس ليس هدفه التسلط وارتكاب المظالم وايذاء الناس والاستقواء على احد أو الخروج عن العرف والقانون سوى الانتصار لحق مسلوب.
لكن الشقي همه اخضاع الجميع بالقوة وحدها وجرأته في فعل اي شيء يرفع من شأنه وشهرته في المجتمع. إن هذه الظاهرة وليدة ظرف اجتماعي او مصادفة او حدث جعل من شخص عادي يشعر بأنه يمكن ان يكون الاقوى والاجدر في الهيبة والاحترام، فالعلة في تردي الواقع الاقتصادي والاجتماعي وضعف النظام والقانون، فلا غرابة ان يكون الجبان بطلا والسافل
سيدا.
كما يحصل كثيرا، فهل انتهى زمن الشقاوات أم أخذ شكلا جديدا ينسجم مع التغيرات السياسية والاجتماعية؟ فما دامت الشعوب هذه تعاني من التخلف والتردي والفوضى، ينحسر فيها القانون أمام منطق القوة الغاشمة لتحقيق مصالح خاصة على حساب المصلحة العامة!.