انتعاش صناعة الملابس في كينيا

بانوراما 2020/09/16
...

  عبد اللطيف ظاهر 
 ترجمة: مي اسماعيل 
يعتمد الملايين في كينيا (الواقعة شرق آسيا) على الملابس المستعملة المستوردة من خارج البلاد لتلبية حاجاتهم؛ لكن جائحة كورونا فرضت اجراءات استغلها المصممون وصانعو الملابس لاعادة التفكير بصناعتهم المحلية.تضم خزانة «كاثرين مورينغو» ملابس جاءت من أنحاء العالم؛ مثل بلوزات وسراويل ملونة من كندا، وفساتين مرسومة بالازهار من أميركا، ومعاطف من النمسا وحقائب يدوية جلدية من بريطانيا. تشتري كاثرين، منذ سنوات، ملابس مستعملة واكسسوارات باسعار رخيصة من الاسواق المقامة بالهواء الطلق بالعاصمة الكينية نايروبي، لتلبي اسلوبها الخاص في الموضة. 
وأسست منذ سبع سنوات عملا لشراء وبيع تلك الحاجيات؛ إذ تجهز معاطف الفرو والقبعات والاحذية لزبائن في كينيا وأسواق دول اخرى منها بوتسوانا وأوغندا وتنزانيا، لكن الحكومة الكينية منعت قبل شهور استيراد الملابس المستعملة ضمن اجراء احترازي لمنع انتشار فيروس كورونا، وعلى الرغم من أن الملابس المستعملة يجري تعقيمها قبل شحنها؛ قالت السلطات الكينية إنها تتوخى الحذر بسبب ارتفاع أعداد الاصابات في الولايات المتحدة ودول اخرى. لذا باتت الأعمال التجارية لكاثرين وغيرها مهددة، اضافة لتناقص خيارات ملايين الكينيين الذين يعتمدون على استيراد الملابس ذات الثمن المنخفض للبقاء أنيقين.
تقول كاثرين: «يحب الكينيون قضاء ساعات من الفرجة والبحث في اسواق الملابس المستعملة». بينما يرى المسؤولون أن منع استيراد الملابس المستعملة المعروفة باسم- ميتومبا «mitumba» (وهي كلمة باللغة السواحيلية تعني «البالات») قد تكون له فوائد غير متوقعة؛ إذ قد يساعد كينيا على انعاش صناعة النسيج فيها؛ وهي صناعة تدهورت منذ أواخر الثمانينات، حينما بدأت الدولة بفتح اسواقها للمنافسة الاجنبية. تقول «فيليس واكياغا» الرئيس التنفيذي لجمعية كينيا للمصنعين: «أعتقد أن كورونا أظهر، ليس لكينيا فقط بل للعديد من الدول، وجوب النظر الى الداخل ومحاولة سد بعض الفجوات التي يعاني منها السوق. والواقع أن هناك فرصة عظيمة لنا لإنتاج ملابس محلية للمواطنين». 
 
تجارة أم صناعة؟
حاولت كينيا (ودول اخرى شرق أفريقيا) منذ عدة سنوات، ان تتخلص تدريجيا من الملابس المستعملة لإنعاش الصناعة المحلية؛ لكن تلك الدول واجهت خطر استبعادها من قانون «النمو والفرص في أفريقيا» الذي يعزز التجارة عبر توفير وصول مخفض أو معفى من الرسوم إلى السوق الأميركية. لذا، تراجعت العديد من تلك الدول (ما عدا رواندا) عن فرض حظر على استيراد الملابس. وأعطى الوباء فرصة لكينيا لتنمية صناعة الملابس فيها؛ ولكنه أحبط التجارة النشطة. وقاد تزامن حظر الاستيراد مع اجراءات الاغلاق الكامل ومنع التجوال الوقائي الى انخفاض حاد في نشاط أسواق الملابس المستعملة الرخيصة؛ مثل سوقي «غيكومبا-Gikomba» و»توي -Toi « الشعبيين؛ وهما متاهة من الازقة الضيقة، المزدحمة بالباعة المتجولين المنادين على بضاعتهم، وأكوام الملابس والاحذية والمستلزمات المنزلية. وبما أن كينيا هي المستورد الاكبر للملابس المستعملة بمنطقة شرق أفريقيا، وبوجود الحظر الجديد؛ فمن المتوقع ألا يؤدي ذلك إلى قلب سلاسل التوريد رأساً على عقب فقط، بل سيؤدي أيضًا إلى نزيف في الوظائف المرتبطة بالتجارة وخسارة ملايين الدولارات من خزائن الحكومة مع انخفاض الإيرادات الضريبية ورسوم الاستيراد.
تسعى «واغورا كاموانا» صاحبة متجر «تكستايل لوفت» للنسيج للاستفادة من هذه الفرصة. نشأت واغورا (40 سنة) وهي ترتدي ملابس تخيطها امها، واتجهت لاحقا للبحث بين الملابس المستعملة في الاسواق عن قطع تواكب الموضة. ترى واغورا أن الكينيين يحبون الملابس المستعملة، لأنها ذات اجور مقبولة ونسيجها ذي النوعية العالية. افتتحت واغورا متجرها سنة 2016؛ وقدمت أنسجة عالية الجودة مصدرها أوروبا للكينيين الراغبين بتصميم أزياء راقية محليا. وقبل سنتين، بدأت بتقديم خدمات انتاجية للمصممين الراغبين بتطوير خطوط موضة صغيرة، ممن تم رفضهم من قبل المصانع المهتمة فقط بطلبات الجملة. كما سبق لها العمل مع مصممين محليين مرموقين، مثل- « كاتونجولو مويندوا- Katungulu Mwendwa «. كذلك قدمت الجائحة لواغورا فرصة افتتاح خط انتاج ملابس خاص بها، وستقدم للنساء منتجات يومية تشمل الفساتين والأوشحة والسراويل، بأسعار تتراوح بين 25- 150 دولارا. ترى واغورا أن على المصممين والمنتجين التعاون معا والبدء بخطوات صغيرة لدفع الصناعة المحلية قدما، قائلة: «ستستغرق سلسلة الانتاج بضع سنوات لتكون مجدية أو معروفة، وما سنقوم به الآن سيُحسّن من القيمة الفنية لانتاجنا». 
 
التكيف مع ظروف الجائحة
استجابت شركات كينية اخرى للتحديات بالتركيز على الجانب المحلي؛ ومنها شركة «ملابس فريدريك بيتينير Frederick Bittiner Wear»»التي تختار الانسجة والتصاميم وتقوم بالخياطة لتجار تجزئة في دول شرق أفريقيا وأوروبا والولايات المتحدة. شهدت الشركة انخفاضا في الطلبات بسبب الجائحة؛ لذا اتجهت لانتاج سراويل وقمصان وسترات للسوق المحلية؛ كما يقول مديرها التنفيذي «دومينيك أغيسا». عرض دومينيك نماذج منتجاته على الباعة المحليين، وحصل على خمسين عرضا خلال اسبوع. يعتقد دومينيك أن «كينيا كانت مترددة» لفترة طويلة لتحفيز المنتجين المحليين؛ لكن حظر الاستيراد كان خطوة لجعل الظروف أكثر ملائمة أخيرا لانتعاش المشهد المحلي. ويمضي قائلا: «هل سنكون قادرين على ارضاء السوق الكينية وما بعدها؟ في خاتمة المطاف سيكون الجواب: نعم». 
«كينيا اللطيفة» اسم تجاري لمشغل يقوم بتحويل الملابس المستعملة (تتراوح بين القمصان الحريرية والمعاطف الجلدية) الى حقائب ملونة عصرية ومحفظات، وبغياب الاستيراد؛ يبحث «محمد عوالي» مؤسس المشغل عن مصادر للمواد من دابغي الجلود المحليين ومصانع النسيج، يقول «عوالي» (32 سنة): «اذا استمرت الجائحة سيكون علينا التكيف بينما نواصل انتاج الحقائب الجميلة التي أكسبتنا التفرد، وحينما نشتري المواد محليا نخلق فرصا للعمل ونجعل صناعتنا تنمو». 
لا يوجد مكان يظهر فيه التحول للتكيف مع التغييرات التي أحدثها الوباء أكثر من مناطق التصدير الخاصة في ضواحي نيروبي. تأسست تلك المناطق خلال التسعينيات، وهي تقدم ضوابط أقل للشركات، مع حوافز ضريبية لتشجيع الأعمال الموجهة للتصدير. ولكن بعد اغلاق الحدود وتدهور حركة التصدير؛ بدأت بعض مصانع الملابس بخدمة السوق المحلية، مع سماح كينيا مؤقتا للمصنعين بتجاوز الحد المعتاد لتزويد الأسواق المحلية بما لا يزيد عن 20 بالمئة من انتاجهم السنوي. 
توظف شركة «شونا إي بي زيShona -EPZ « نحو خمسمئة عامل/عاملة، وتنتج ملابس العمل العاكسة (= ذات الالوان التحذيرية البراقة التي تنبه لوجود مستخدميها، مثل- الشرطة أو عمال الانقاذ. المترجمة) ومنهم شركة «3M»، وملابس للمتاجر الكبرى مثل «TJ Maxx». ومنذ بدء الحظر اتجهت الشركة لانتاج معدات الحماية الشخصية داخل كينيا؛ فأنتجت عشرات آلاف الكمامات وأثواب الجراحة يوميا. يؤكد مدير الشركة «اسحاق ملوكي» أنه تعاون مع مستوردي الملابس المستعملة وصغار المنتجين الذين باتوا (بسبب حظر الاستيراد) يعيدون ترتيب خيارات التعاون مع شركات أكبر مثل شركته لتلبية الاستهلاك المحلي. ويمضي قائلا: «نريد فعلا تشجيع المستهلكين لرؤية نوع الجودة التي نقدمها هنا، والتي يمكن مشاركتها في السوق المحلية؛ فهي سوق
 ضخمة».
 
تحديات متنوعة
ولكن قبل أن يتمكن قطاع ملابس قوي أن يترسخ، يقول الخبراء إن على المصنعين المحليين التغلب على عدة تحديات؛ منها- عدم كفاية الوصول الى التمويل وارتفاع كلفة الطاقة الكهربائية وشح المواد الاولية، ومنها القطن. كما أن انتقاد جماعات الضغط القوية في الولايات المتحدة لصالح تجارة الملابس المستعملة بالفعل لتحركات كينيا لا يبشر بخير أيضا؛ بحسب «أميلي آن وولف» الباحثة بجامعة ليدن الهولندية، التي درست خطط التخلص التدريجي من الملابس المستعملة بمناطق شرق أفريقيا. تسعى كينيا لتكون أول دولة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى تتفاوض حول اتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة؛ ما قد يقوض رغبة كينيا في الإبقاء على حظر الملابس. وطلب تجار الملابس المستعملة بالفعل من الحكومة مؤخرا رفع حظر الاستيراد، قائلين بعدم وجود مخاطر صحية عامة مرتبطة بها؛ لكن المسؤولين رفضوا ذلك الخيار حتى الآن. حاليا يقول المصممون والمصنعون الكينيون إن الحظر يعطيهم فرصة سانحة للبدء بتشكيل مستقبل الموضة في كينيا؛ وعن هذا تقول واغورا: «الوقت جيد الآن للقيام بخيارات وتغييرات، وسوف يُدهش المشاهد مما ستقدمه هذه
 الدولة».