لماذا تكتب نساء بأسماء رجاليَّة مستعارة؟

بانوراما 2020/09/20
...

 لندن: بي بي سي
احتفالاً بمرور 25 عاماً على إعلان جائزة المرأة للخيال، أطلقت حملة بعنوان «استعادة اسمها»، أعيد فيها نشر 25 كتاباً ألفته نساءٌ بأسماء رجالية مستعارة، ولكنْ هذه المرة وضعتْ أسماؤهن الحقيقيَّة، وكان شعار الحملة «وأخيراً مُنحت الكاتبات الاعتراف الذي يستحقنّه». كانت تلك مبادرة لطيفة، وأي شيء يجذب الانتباه لمجموعة واسعة من أعمال الكاتبات على مدى التاريخ هو أمر مرحب به. ولكن تلك الحملة تسبب في غضب مستخدمي الإنترنت الذين أفزعهم هذا المشروع النسوي.
ما هو الاسم المستعار؟
مسألة الاسم المستعار معقّدة للغاية، فهو يستخدم للتحايل على التوقعات الاجتماعية المرتبطة بكون الشخص ذكراً أو أنثى، لكنه يُستخدم أيضا لإخفاء الهوية والجندر، ولاختلاق شخصية عامة، والتقرب أو الابتعاد عن التراث العرقي للكاتب.
وقد أساءت الحملة لنفسها بسبب ارتكابها عدة أخطاء طائشة وخيارات لا يصدّق أنها أقدمت عليها.
فمثلاً، وضعت بالخطأ صورة مرافقة لسيرة الناشط في مجال حق الإجهاض، مارتن ر ديلاني، والتي كتبتها فرانسيس ويبر، وهي لشخص آخر هو فريدريك دوغلاس.
كما قيل إن إحدى القصص قد ألفتها الكاتبة الإنكليزية - الصينية، إيديث مودي إيتون، وجلب ذلك انتقاد الأكاديمي الوحيد الذي خّمن أنْ تكون هي كاتبة القصة، وقال إن الأمر لا يزال في مرحلة التكهنات غير المؤكدة.
ورغم أن اسم المشروع «استعادة اسمها»، فإنهم لم يتمكنوا حتى من القيام بذلك: فمثلا كتبوا اسم الشاعرة كاثرين برادلي بطريقة خاطئة.
نعم، هناك حالات كانت فيها هذه الأمور صحيحة في أزمنة مختلفة، وبلاد مختلفة، وبالنسبة لنساء من أعراق مختلفة وطبقات اجتماعية مختلفة، فالتمييز ضد النساء زاد حتما من نضالهن لكي تُسمع أصواتهن. حتى أنَّ أكثر الكاتبات نجاحاً في هذا القرن، ج.ك رولنغ، استخدمت اسماً لا يشير إلى جنسها كي تتأكد أن كتابها هاري بوتر سيعجب القرّاء الصبيان أيضا، كما استخدمت لاحقا اسما اخترعته هو روبرت غالبريث لكي تكتب روايات خيالية عن جرائم.
لكن حتى مثل هذا المثال المعاصر ينجح في إظهار مدى صعوبة موضوع الاسم المستعار: فخيارات رولينغ لم يكن دافعها الوحيد هو التمييز ضدها كامرأة، بل بسبب رغبتها بأنْ تخفي هويتها وتخلق هوية جديدة.
 
التركيز على الرجال
نظامنا التعليمي ملامٌ جزئياً على هذا؛ فالمناهج المصممة من قبل الرجال ركزت على الرجال منذ بداية فن الرواية في القرن الثامن عشر.
ويقول الأستاذ الجامعي د.سام هرست: «في الواقع، هناك عدد كبير من النساء اللواتي لعبن دورا مهما جدا في تطور الرواية. أما عند إعادة إنتاج هذه السرديات - القائلة إن المرأة لا يمكن لها أنْ تنشر ما لم تستخدم اسم رجل - يعني إلغاء وجود كل هؤلاء النساء. ويعني تعزيز هذه الأفكار الأبوية والكارهة للنساء».
نشرت النساء كتاباتهن تحت أسماء وهمية وأيضا بأسمائهن الحقيقية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. وفي الواقع، كانت حقيقة أن كتابا «كتبته سيدة» تزيد من فرص بيعه، حتى أن بعض الكتاب الرجال اعتمد على هذه الحيلة.
ووفقا لبحث الأكاديمي جيمس ريفن، فإنَّ ثلث الروايات المنشورة عام 1785 قيل إن «سيدة كتبتها».
إن الكتابة مع إخفاء الهوية تعني أنه كان من الصعب معرفة عدد الكتاب الذكور والإناث، ويُعتقد أن بعض الرجال أصبح يعتمد جملة «كتبته سيدة» كحيلة ترويجية لبيع الكتاب، لأن ذلك يشير إلى أن الموضوع مهم للقارئات، خاصة أن النساء كن أكثر المشتريات للكتب.
 
«تخليد أساطير كسولة»
ارتبط تجاهل نجاح النساء في تلك الفترة بطبيعة النوع الأدبي الذي كان سائدا. ففي نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن العشرين، انتشرت الروايات القوطية بشكل هائل (وهي روايات فيها أجواء الغموض والرعب)، وغالبا ما كانت تربط بالنساء.
وسيطرت الكاتبات على هذه الصناعة، إذ حطمت آن رادكليف أرقاما قياسية عندما طبعت روايتها (The Mysteries of Udolpho) عدة مرات. كانت واحدة من عدد لا يحصى من «النساء اللاتي يخربشن» واللاتي يكسبن المال بهذه الطريقة - هناك أيضا ماري روبنسون، وكلارا ريف، وشارلوت داكر، وإليزا بارسنز، وتشارلوت سميث، وبالطبع ماري شيلي.
بالطبع هناك تمييز مستمر ضد النساء: فالرواية - سواء أكتبها رجل أم امرأة - كان ينظر لها غالبا على أنها تافهة، والرواية القوطية تحديدا كان يستهزأ بها وتعد مشوشة للنساء. ويقول الأستاذ هرست: «أحد أسباب تحدثنا عن الرجال كمحور لتاريخ الرواية هو أن الرواية القوطية تم تجاهلها بالكامل». ومنذ السبعينيات، بذلت جهود كبيرة من قبل أكاديميين وناشرين لتفحص أعمال الكاتبات، بداء من إليزا هايوود، مروروا بفرانسيس برني، ومارغريت أوليفنت - لذا فإنه وبعد نصف قرن ليس من المفيد الاستمرار بترديد أسطورة أن النساء لم يكتبن باستخدام أسمائهن الحقيقية.
ومع ذلك، يقر الأستاذ هرست أنه في القرن التاسع عشر، حاولت بعض الكاتبات إبعاد أنفسهن هن الروايات “الشعبوية” و”الرديئة” من خلال استخدام أسماء رجالية مستعارة.
تقول روزماري بودنايمر: “إن الاسم المستعار أصبح علامتها التجارية، وجزءا مهما من ثقتها بنفسها ككاتبة”. وأيضا، إلى ماذا ستغيره؟
إن المشكلة التي يواجهها أي باحث يتمنى أن يعيد للكاتبة اسمها هي أن أسماء النساء غالبا ما تتغير عند الزواج. وفي حالة إليوت، تضاعف الأمر بسبب عبثها: اسمها عند التعميد كان ماري آنا إيفانز، ثم تغير إلى ماري آن إيفانز (1837)، ثم ماري أيفانز (1851)، ثم ماريان إيفانز لويس (1854)، وماري آن كروس (1880). ترافق كل تغيير مع «توثيق مرحلة جديدة من حياتها»، كما تقول بودنايمر التي تعتقد أن اختراع أسماء لها كان يحمل أهمية رمزية لإليوت.
 
صنع هويات جديدة
وهناك مجموعة الكاتبات اللاتي ترددن في العودة إلى «أسمائهن عندما كن طفلات» لسبب آخر: إن استخدام اسم رجالي للكتابة ينسجم على نحو جيد مع هويتهن الكويريّة (أي انتمائهن لمجتمع الميم).
فعلى سبيل المثال هناك فيرنون لي، المولودة باسم فيوليت باجيت، وهي كاتبة قصص عن الأشباح والنقد الثقافي. كانت قد أعلنت عن مثليتها الجنسية - داخل دوائر معيّنة على الأقل - وكانت قد دخلت في علاقات رومانسية مع عدد من الكاتبات. كتبت لي في عام 1875 أن اسمها المستعار «له ميزة تركك محتارا ما إذا كان الكاتب رجلاً أم امرأة».
وتقول د.آنا باريجو فاديلو، المحاضرة في الأدب الفكتوري في جامعة بيربيك: «ذاك الإحساس بأن تكوني حرة من تحديد الجندر وتحديد الجنس في مرحلة زمنية كانت فيها مثل هذه التصنيفات ثابتة بشدة في العقول، كان أمرا مهما جدا بالنسبة لها».
وعلى عكس من يستخدم الاسم المستعار لإخفاء الهوية، استخدمت لي ذلك لتخلق هوية جديدة: استخدمت اسمها الجديد فيرنون لي في كل نواحي حياتها، رافضة الثنائية الجندرية (رجل/ امرأة)، ثم بدأت بعد ذلك بارتداء ثياب لم تكن رجالية ولا نسائية.
لذا تقول فاديلو إنه لا يوجد اسم مستعار هنا «الجميع عرف أنها امرأة رغم أنه كان يعتقد غالبا أنها تمتلك ذكاء ‹ذكر›».