نجاح العلي
الحديث عن الفساد في العراق حديث ذو شجون، خاصة اذا كان هذا الحديث صادرا لمن اتته الفرصة للعمل بإحدى الجهات الرقابية، سواء في اللجان البرلمانية التي تتابع عمل الجهات التنفيذية او الجهات الرقابية الأخرى الممثلة بهيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية ومكاتب المفتشين العموميين، التي تم حلها عام ٢٠١٩، وشاءت الاقدار أن أعمل في هذه المكاتب لعقد من الزمن، وواكبت خمسة مفتشين عموميين، لكل منهم رؤية وطريقة في العمل الرقابي وبالتأكيد لكل منهم ارتباطاته وميوله الحزبية والسياسية، التي اصبح بالضرورة منقادا لها لارتباطه كاثوليكيا بها، لأن هذه الجهات السياسية هي من اوصلته لهذا المنصب، ولا بدَّ من رد الدين عاجلا ام اجلا عبر غض الطرف عن ملفات فساد او سوء ادارة او هدر للمال العام او استخدام ملفات الفساد للمساومات السياسية او للتسقيط السياسي، خاصة عندما يقترب موعد الانتخاباتـ سواء كانت لاختيار اعضاء مجلس النواب او لاختيار اعضاء
مجالس المحافظات.
أعود مرة أخرى الى مكاتب المفتشين العموميين، التي تم انشاؤها بحسب قرار الحاكم المدني في العراق وأمره المرقم (٥٧) في شباط سنة ٢٠٠٤ في قانون هجين مستنسخ لما هو موجود في اميركا، رغم ان قانون التفتيش الاميركي صدر عام ١٩٧٨ويتم تغيير فقراته باستمرار لاتتجاوز السنتين واحيانا تجري تغييرات عديدة عليه في السنة الواحدة بحسب متطلبات المرحلة ولسد المنافذ امام الفاسدين، الذي يطورون اساليبهم وطرقهم باستمرار ويتفنون بها مما تتطلب مواكبتهم او احيانا سبقهم في اجراء تغييرات وتعديلات في التشريعات للحد من الفساد، اما قانون مكاتب المفتشين في العراق، فقد ظل جامدا من دون تغيير حرف واحد فيه من ٢٠٠٤ ولغاية ٢٠١٩ مما سبب تلكؤا في الاداء وتواطؤا مع الفاسدين وبالتالي حل المكاتب بدل تطويرها وتحسين ادائها.
بحسب التجارب العالمية ومراكز رصد الفساد في العالم، كلما ازداد عدد الاجهزة الرقابية قلت معدلات الفساد، فبعض الدول لديها اكثر من ثماني جهات رقابية للحيلولة دون وقوع الفساد، وكان الاحرى في العراق تعزيز دور الاجهزة الرقابية عبر سن التشريعات والقوانين وفرض عقوبات رادعة، لأن من أمن العقاب ساء الادب وهذا ما يفسر ايغال الفاسدين واستمرارهم في نهب المال العام وهدره، لأن المال السائب يعلم السرقة، فما من رقيب او حسيب، خاصة لحيتان الفساد او ما يصطلح عليه القطط السمان، التي ما زالت آمنة في سريرها الوثير الدافئ بانتظار قرارات جريئة وشجاعة للقضاء عليها.. وان غدا لناظره قريب.