بغداد: سرور العلي
أعاد صاحب محل لبيع المنتوجات الغذائية النقود لأحد الأطفال، بعد أن علم بأن والد الطفل مصاب بوباء كورونا، فقد قال المقولة المعروفة وغير الانسانية " روح منا لا تعدينا"، اما صاحب سيارة الاجرة، فما أن علم بأن زبونه قد قام بالفحص للتأكد من إصابته، صاح بأعلى صوته، "عمي لا تورطنا انزل لا نريدك ولا نريد كروتك"، ليكون الوباء رفيق الخفاء حتى يشفى صاحبه.
تعد ظاهرة الخوف من مصابي كورونا من العقبات التي تحد من القضاء على الفيروس في المجتمع، وهناك مشتبهون بهم يرفضون حتى خضوعهم للفحص لتجنب نظرات الآخرين لهم، فيكتمون الأمر لحين وقوع الكارثة، فيهرب البعض من دفن جثث أقربائهم المتوفين بالفيروس خوفا على حياتهم، ولاعتقادهم بأن الجثث مصدر للعدوى، بينما أكدت منظمة الصحة العالمية أنه لا يوجد أي دليل على إصابة أشخاص بالعدوى، جراء تعرضهم لجثث متوفين بالفيروس.
وصم اجتماعي
ارشادات وبرامج توعية أكدت بأن الوضع النفسي للأشخاص ضروري في مواجهة الوباء، ويزيد من مناعتهم وقوة تحملهم اذا ما اصابوا بالمرض، يقول أحمد سعدون (33) عاما، متعافٍ:"حاولت أثناء الحجر الهروب عدة مرات بسبب الضغط النفسي الذي كنت أعانيه، الا أن الآخرين لم يدركوا حجم الألم الذي يمر به المصاب".
ويشبّه سعدون تلك الظاهرة بوصمة العار التي لحقت مصابي مرض "الأيدز"، مضيفا"المرض ليس عيبا، بل العيب في صمتك على مرضك، ونشره بين الآخرين دون علمهم أنك مصاب، يجب إكرام الإنسان في حياته وبعد مماته".
اذ تدعي العديد من الاسر حين يتوفى أبناؤها، بأنهم كانوا مصابين بنوبة قلبية، أو ارتفاع حاد في ضغط الدم، وإنكار السبب الحقيقي وهو إصابتهم بالفيروس خوفا من وصمة العار، فمنذ انطلاق الفيروس من مدينة ووهان وسط الصين كان يسمى بـ"وباء ووهان الرئوي"، ولكن رفضت منظمة الصحة العالمية وصم تلك المجتمعات.
عقوبات
لم تكن التوصيات التي تطلقها الجهات المعنية في مراعاة المصابين تحد من هذه الظاهرة، بل وصل الامر الى التشمت بين الاشخاص اذ ما اصاب احدهم، بين علاء حسين (40) عاما، موظف في وزارة الصحة:" ان التنمر والخوف من العدوى والسخرية بين أفراد المجتمع جعلا المصاب يعيش حالة مزرية من القلق والتوتر، والكذب في أحيان كثيرة".
ويشدد "يجب فرض عقوبات على هؤلاء الأشخاص، وشن مبادرات توعية وتثقيف المواطنين، وتحقيق التضامن الإنساني بين الجميع، فبالنهاية جميعنا معرضون للإصابة بالفيروس، فلماذا نوصم الآخرين بالعار والعيب؟".
غلطة
تعددت الأسباب في عدم إفشاء هذا السر الكبير حسب رأي الكثيرين، فذلك الذي يخاف من رأي المجتمع، وآخر لا يريد الانعزال عن مجتمعه، وثالث قد اعتاد على حياته اليومية في الخروج والتنزه وغيرها من أموره اليومية.
حيدر علي ممرض فني يحدثنا :"توجد حالات كثيرة مختبئة خوفا من العزل والحجر الصحي الذي يعده البعض نوعا من إلاهانة، وبهذا التصرف سيقضون على حياتهم وحياة أسرهم".
وتابع"يرفض كثير من الأهالي نقل بناتهم المصابات إلى المستشفى، ويعدونه عارا ويخشون بأن يتعرضن للتحرش اللفظي أو الجنسي، وبالتالي يجبرونهن على البقاء في المنزل".
رفض الخلاص
ويتعرض المسعفون والأطباء الى الإهانات والتهديدات، فالبعض يعد الوباء مؤامرة، لذلك يمتنعون اذا ما تأكدت اصابتهم، سالم ريكان (41) عاما، يتعرض يوميا لعشرات الإهانات والتهديدات من أناس يمتنعون عن أخذ مرضاهم إلى المستشفيات، أو إجراء اختبار فحص الفيروس.
اما أم حسين (55) عاما فتقول وهي متلفعة بعباءتها السوداء، وبصوت مؤلم:"عندما أصيب زوجي بالفيروس، وانتشر الخبر في المحلة بسبب سيارة الإسعاف التي جاءت لنقله، وجدت كثيرين قد تغيرت طباعهم وسلوكهم معنا، وأصبحوا يبتعدون مسرعين ومتوجسين حين يمرون من باب منزلنا، ما أصابنا بحالة من الكآبة والحزن الشديد، حيث وجدنا انفسنا محاطين بكمية كبيرة من الانتقادات والشكوك".
نبذ وإهمال
ويرغب كثيرون بالحجر المنزلي بسبب عدم ثقتهم بالمستشفيات الحكومية، واكتظاظها بالمصابين، وان تقديم الرعاية الصحية ليس بالمستوى المطلوب.
يقول الطبيب عادل حامد:"رغم تأكيدات البعض بأنهم غير مصابين وأن الأعراض التي تصاحبهم هي بسبب التهابات رئوية أو متاعب صدرية، يبقى الآخرون ينظرون لهم بريبة ويحتفظون بمسافة كبيرة بينهم".
وبين حامد"تعود الوصمة الاجتماعية إلى عدة عوامل ومنها، كون المرض ما زال غامضا وجديدا، والناس تخشى كل ما هو مجهول، البعض يعتقد بأنه غضب من الله وعقاب له، لذا يتكتم خوفا من الوصم، وترسيخ معتقدات خاطئة حول الفيروس، وانتشار الشائعات والأخبار من دون مصادر موثقة".
مواقع الذعر
وقد أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي في بث الرعب بين الناس، ما جعلهم يهربون من كل شخص يشتبهون بإصابته، حيث شدد الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر على معالجة الوصم الاجتماعي بإصدارها عدة نصائح وتوصيات ومنها، اختيار طريقة التواصل والكلمات بعناية حين التعامل مع الآخرين، كما تضمن مجموعة من العبارات والألفاظ يجب ألا يتلفظ بها الإعلامي عند الحديث عن جائحة كورونا، لمنع الانطباع السلبي الذي تتركه الكلمات لدى المصاب، وأن يلعب المشاهير ورجال الدين والعلماء دورا مهما في التقليل من وصمة العار من خلال توجيهاتهم ورسائلهم الإنسانية، ونشر الحقائق العلمية، وتقديم جميع الدعم النفسي والاجتماعي لمواجهة الوباء، كما سيسهم المتعافون من الفيروس بدورهم الفعال بمواجهة الوصمة بنشر قصصهم وتجاربهم أثناء تلقي العلاج.