بغداد: زينب صاحب
تصوير: علي الغرباوي
من منطلق مواجهة أزمة الوباء، اجتمع خيرة اساتذة كلية العلوم قسم الحياة في الجامعة المستنصرية، ليخلقوا منتوجاً يضاهي به المستورد من المعقمات، التي ترتفع أسعارها يوما بعد آخر كلما تفشى وباء كورونا في البلد، ليقعَ على عاتق كل فرد فيهم وبالتعاون مع أحد طلبتهم في اكتشاف تركيبة ميزتها هي القضاء على المايكروبات والجراثيم بنسبة 99 %، اذ كان هدفهم الأول والأخير هو خدمة المواطنين وصحتهم.
بدأ الامر عندما قرر أحد الطلبة من تزويد قسمه بمادة الكحول النقي لأجل عمل التجارب، وجاء ذلك بسبب رداءة المعقمات المستوردة التي تكون ذات فعالية سيئة لمكافحة الجراثيم، اذ تكون نسبة الكحول فيها قليلة جداً ما يجعلها غير صالحة للاستخدام.
تكاتف
وقد تحدث حول ذلك عميد الكلية الدكتور محمد فرج شذر لـ"الصباح" قائلاً:"في ظل أزمة جائحة الكورونا كان لزاماً علينا المشاركة كجهة مختصة في دراسة العناصر الكيميائية، فقبل ذلك كنا قد وجهنا رسالة بخصوص الالتزام بالوقاية، وضرورة التباعد الاجتماعي، واستخدام مواد التعقيم، ولأن كل انسان عليه تقديم المساعدة من أجل عبور هذه المحنة، والتعاون والتكاتف من مهنته وتخصصه، لذلك بادر اساتذة وطلبة الدراسات العليا من قسمي علوم الحياة والكيمياء بتخفيف وتعبئة الكحول، ومن ثم توزيعه بين الطلبة ورواد الجامعة من المراجعين وعلى رئاسات اقسام الكليات، وايضاً تم التنسيق مع بعض المراكز الصحية في المناطق المجاورة، حيث قمنا بتزويدهم بهذا الكحول المعقم".
"ابسلوت"
لم تكن مهمة تدريسيي جامعة المستنصرية من كلية العلوم التعليم فقط، فكان لا بدَّ من المشاركة والعمل ليحققوا بذلك انجازا على مستوى الابتكار، الدكتور أحمد ساهي أحد أساتذة قسم علوم الحياة قال: " قمنا بشراء الكحول النقي من أحد المصانع المحلية، اذ كانت أول مرحلة هي مرحلة التخفيف بإضافة بعض المواد له ليصبح تركيزه بنسبة 70 %، وكما هو متعارف عليه لدراستنا هذه المركبات، إنَّ الكحول بهذه النسبة يصبح أكثر فاعلية للقضاء على الجراثيم والميكروبات مما هو عليه في نسبة 100 %، وبعد ذلك نقوم باضافة مادة سامة، ليصبح معدوما ولا يمكن استخدامه كمشروب كحولي، واستخدامه في غير التعقيم، وبعد تعبئته بقنانٍ صغيرة، يكون جاهزاً للتوزيع والاستعمال، فالمنتوج من ضمن مواصفات قياسيَّة عالميَّة".
1200 علبة
يسعى الفريق ذاته للبدء بخط انتاج ثانٍ من المقرر إطلاقه الاسبوع المقبل، بعد أن اطلقت الوجبة الاولى منه وتم توزيعها بين أروقة الجامعة، ووزارة التعليم العالي، ودائرة صحة الرصافة، ونحن مقبلون على صناعة المعقم من نوع "الجل" وبعلب صغيرة الحجم، ليستطيع استخدامه الجميع من خلال وضعه داخل جيوبهم، مما ليسهل بذلك عليهم التعقيم وبذلك لا يتماهلون بالالتزام بشروط الوقاية.
حدثتنا الأستاذة شيماء داود أحد التدريسيين المساهمين وتقول: "تم انتاج 1200علبة للكحول بحجم 250 ملم في الوجبة الأولى، وذلك خلال أربعة أيام فقط، اذ صادف توزيعها مع امتحانات طلبة السادس العلمي في داخل اقسام الجامعة، اذ قام الطلبة المتطوعون بتوزيعها بين القاعات الامتحانية، لغرض تسهيل اكمالهم الامتحانات، من دون التعرض لخطر الإصابة".
ورشات
جميع المساهمين بهذا العمل هم من منتسبي القسم، وكلاً حسب خبرته ورغبته، منهم قد أسهم بمعلومات أكاديمية، وآخرون بخبراتهم في التعامل مع السوق والمعامل التي تزود المشروع بالكحول النقي، والبعض الآخر يبادر بالدعم المادي.
يوضح الاستاذ احمد ساهي بأن"هناك توجيهات بخصوص العمل التطوعي، فالاكاديمي له مسؤولية تجاه مجتمعه كما باقي المواطنين، حيث تم عقد العديد من الورشات التوعوية، مثل كيفية استخدام الكمامات والكفوف، وايضاً عن النظافة والتباعد الاجتماعي، ولكن هذا لم يمنع من مبادرتنا لانتاج ما يمكنه أن يفيد مجتمعنا، لا سيما أنَّ ذلك ينصب في صلب تخصصننا الأكاديمي".
عراقي 100 %
أسهمت هذه التعقيمات برفع الروح الوطنية لدى العاملين والمستخدمين، إضافة الى عملها الأصلي في تطهير الأيدي والأسطح من خلال محاربتها البكتيريا والفايروسات، فهي تعد منتجا محليا بحتا من كحول نقي يتم تقطيره داخل العراق، يوضح الدكتور حيد جاسم محمد: " يمر المنتج بعدة مراحل آخرها التوزيع، اذ تتم تعبئته قبل ذلك من قبل منتسبي القسم بشكل يدوي، ونتمنى أن تكون التعبئة في المستقبل القريب بواسطة معامل التعبئة، لان ذلك سيزيد من انتاج هذا المعقم بشكل أسرع وأسهل، فهو بالنهاية مشروع عراقي 100 %".
أكد الدكتور حيدر جاسم محمد أن " جودة الكحول المصنع داخل مختبراتهم أفضل من نظيره المستورد، فقد قمنا بإخضاعه لتجارب عدة، وتأكدنا من فاعليته للقضاء على الجراثيم، حتى ثبت أنَّه يماثل الأنواع الأخرى بل ويتفوق عليها عملاً وفاعلية، اضافة الى ان تكلفته اقل اذ ما اعتمد كمادة معقمة".