بوركينا فاسو وحل مشكلات الساحل الأمنيَّة

بانوراما 2020/09/24
...

  ايرومو ايغبيجول
ترجمة: بهاء سلمان
بدأ انحدار بوركينا فاسو نحو الفوضى كمسرحية من فصلين انطلقت أحداثها من خلال انتفاضة شعبية  في شهر تشرين الاول 2014، أحبطت تلك الحركة محاولات رئيس البلاد آنذاك بليز كومباوري لتعديل الدستور، وتمديد فترة حكم دامت 27 عاماً التي كانت قد بدأت مع اغتيال سلفه توماس سانكارا سنة 1987، وفي سنة 2015، قاد غلبيرت دينديري حليف كومباوري المقرّب انقلابا فاشلا ضد الحكومة الانتقالية التي استبدلت الرئيس؛ لتعمل كلتا الحادثتين على اضعاف سطوة الجيش على البلاد.
مجاميع متعددة
برزت الراديكالية الاسلاموية التي كانت تغلي تحت السطح الى الواجهة؛ فقد صارت المساحات الواسعة لبوركينا فاسو، التي كانت ملاذا سابقا للاجئين الفارين من العنف الديني والارهاب في مالي، مركزا للتمرّد الاسلاموي في منطقة الساحل الأفريقي، فمنذ سنة 2015، قتل أكثر من ثلاثة آلاف فرد، وتم ترحيل 750 ألف آخرين داخل البلاد جراء أعمال مستقلة قامت بها ثلاث حركات جهادية كبرى، وهي أنصار الاسلام، وجماعة نصرة الاسلام والمسلمين، وتنظيم الدولة الاسلامية في الصحراء الكبرى.
أغلقت المدارس وأصيبت الحركة الاقتصادية في شمال ووسط البلاد بالشلل، ولمواجهة الموقف شرّع البرلمان البوركيني قرارا، مطلع العام الحالي يسمح للجيش بالعمل مع مجاميع “اليقظة”، وفي الوقت الذي ربما تكون تحديات منطقة الساحل مع التمرّد العسكري جديدة نسبيا، فستراتيجية بوركينا فاسو لديها جذور تجربة سنوات حكم سانكارا الأربع في السلطة، ويساور الخبراء القلق من أن تؤدي الى تفاقم مخاطر المشكلات الأمنية للمنطقة، بدلا من
معالجتها.
بعد الثورة أنشأ سانكارا هيئة الدفاع عن الثورة، مقلدا أنموذجا أسسه الزعيم الكوبي فيدل كاسترو لخلايا الثورة الكوبية أطلق عليه اسم “نظام اليقظة الجماعية”.
ويقول مؤيدو سانكارا إن النسخة البوركينية لهيئة الدفاع عن الثورة أريد بها منع الجيش من حيازة السلطة لنفسه؛ أما منتقدوه فقد أشاروا الى كونه ستارا يحجب أعمالا عسكرية للسيطرة على المناهضين للدولة، وبوحشية أحيانا، عندما تولى كومباوري الحكم، ألغى “هيئة اليقظة”؛ وبعد خروجه من السلطة، تم أيضا تفكيك فوج الأمن الرئاسي، وهي فرقة المهمات الخاصة النخبوية المقادة من قبل
دينديري.
 
ردود أفعال مدمرة
عمل التشريع الجديد المؤسس لهيئة “المتطوعين للدفاع عن الوطن” كمظّلة لوجود ونشاط وحدات يقظة جديدة على إحياء ذلك الجدل، حيث سيعمل المتطوعون داخل مجاميع مندمجة ضمن البنية الدفاعية للدولة، وتتمّم القدرات العسكرية والاستخباراتية للقوات الأمنية،وبالأخذ بنظر الاعتبار الانتخابات الوطنية المقررة قريبا، يرى الخبراء تحركات الرئيس روش كوبوري كمحاولة لحل غير تقليدي للأزمة الأمنية، بيد أن ناشطي حقوق الانسان يقولون بامكانية فتح القانون الجديد لمزيد من العنف 
والتعسف.
حجر الزاوية لهذه السياسة الجديدة يتمثل في جماعة مسلحة، قوامها أربعون ألف رجل، اسمها “حراس الأدغال”، إذ يشتبه بتورطها بمجزرة وقعت مطلع العام الماضي حصدت نحو مئتي فرد ينتمون لقومية فولاني، انتقاما من هجوم شنه اسلامويون؛ حيث غالبا ما يتهم الفولانيون بمساندتهم للارهابيين.
ومع نفي “حراس الأدغال” تورطها بهذه الأعمال، يبقى الأمر غامضا.
وفي حال دعمت الحكومة حراس الأدغال، فهذا يهدد بتوسيع دائرة العنف والافلات من العقاب، نظرا لنشاط الحركة الاثنية المتصاعد للصراع الدائر.
ويركز الاسلامويون هجماتهم بشكل متكرر ضد التجمعات السكنية للمزارعين، بالوقت نفسه الذي يركزون تجنيدهم فيه على قومية فولاني، كما يوضح كورين دوفكا، مدير قسم غرب أفريقيا بمنظمة هيومن رايتس ووتش: “التجمعات السكنية المبتلاة بمجازر للمدنيين هي نفسها التي تشكل مجاميع الدفاع المدنية، وهؤلاء الرجال عانوا بشكل مفرط من أعمال العنف مع غياب العدالة بشكل مطلق، ويتم الاشراف عليهم من قبل القوات الأمنية التي هي بحد ذاتها لم يقم عليها الحد لعمليات اعدام جرت خارج نطاق القضاء، ولا يسعنا التأمل بشكل متفائل باستتباب الأمن على يد هذه المجاميع”.
 
خليط الفقر والظلم
عند التوجه صوب الجنوب، يجد المواطنون البوركينيون أنفسهم عالقين وسط عنف يأتيهم من أربع جهات، على أقل تقدير: الاسلامويون والعصابات المسلحة المنتفعة من الفوضى ومجاميع اليقظة والقوات الحكومية.
انه مزيج معتم لدولة فقيرة تتعامل أيضا مع جائحة فيروس كورونا، حيث يستقر معدل الاصابات المؤكدة اليومية عند الرقم 600، مع وفيات تعد بالعشرات؛ كما أن الموقف المركزي للبلاد اليوم في القتال ضد الراديكالية الاسلاموية في منطقة الساحل يعني أن أثر نجاحاتها أو اخفاقاتها سيلقي بظلاله على مناطق ما بعد الحدود
بكثير.
لأجل قلع جذور هذا المد الدموي، تحتاج ادارة الرئيس كوبوري الى التحرك بشكل حاسم وحكيم، وتغيير ستراتيجيتها لمواجهة التمرّد للسماح لمجاميع اليقظة بالعمل فقط ضمن قدرات محدودة، أو تحت اشراف هيئة لديها القدرة على مساءلتهم عن 
التجاوزات.
وينبغي على الحكومة أيضا التحرّي عن المتورطين بأعمال المجازر الأخيرة، والشروع بعملية فرض العدالة والمصالحة في بلد ضعيف 
مسبقا.
ويعد مثال دولة مالي رواية تحذيرية لحكومة بوركينا فاسو كصندوق شر مستطير لا يمكن غلقه بسهولة، بحسب دوفكا، ولم تعترف حكومة مالي بمجاميع اليقظة بشكل رسمي وتجاهلتها 
بالكامل. 
يقول دوفكا: “قتلت هذه المجاميع المئات من مدنيي قومية فولاني، وباتت حاليا غير مسيطر عليها، ولا يسع البلاد ومنطقة الساحل تحمّل العنف الدموي.