براءات اختراع مصيرها النسيان.. علماء عراقيون تُركَن بحوثهم على الرفوف

ريبورتاج 2020/09/26
...

  بابل: عدنان الحسيني
 
جهود مضنية ووقت طويل وجهد مضاعف، يبذل من اجل الوصول الى نتائج علمية، كلها تواجه الباحث والمخترع منذ لحظة الشروع بكتابة اطروحته او بحثه، وتمتد وصولا الى النتائج التي قد تتغير مرات عديدة، ومع كل هذا الجهد والوقت والنتائج التي تكون باهرة في بعض الاحيان، ومدعاة للفخر، الا أن براءات الاختراع العراقية تركن على الرفوف لتكون فريسة للأتربة.
الحديد الاسفنجي
العالم في مجال الكيمياء د.جليل الخفاجي، الذي رحل عن عالمنا منذ عام، سجل تسع براءات اختراع، ووصل صدى اختراعاته وابحاثه الى عدة دول عربية واجنبية. 
كل هذه الابحاث والاختراعات التي عمل عليها طيلة سنوات، لم تلق اهتماما من قبل الدوائر والمؤسسات المرتبطة بالوزارات، في المقابل قدمت دول اخرى الدعم الكامل والاهتمام الخاص لهذه الابحاث، حيث استثمرت ابحاثه على ارض الواقع. 
اذ يعد الخفاجي واحدا من اهم خمسة علماء في الكيمياء في العالم، سجل اول براءة في العام 1981، وكانت عن مشكلة الحديد الاسفنجي، اذ تعد هذه المشكلة عالمية، حيث كان العراق ينتج أكثر من مليون طن سنويا في البصرة، وكانت هذه المادة تحترق عند تعرضها للرطوبة، إلا أنه من خلال هذه الاختراع منع الاحتراق، وقد سجل هذه البراءة في أميركا وانكلترا والمكسيك، وبعد ذلك توالت اختراعاته وابحاثه، حيث كان اخرها ابتكار مرهم طبي يشفي الجروح من الداخل الى الخارج، على عكس المراهم الطبية الاخرى.
 
بحوث منسيَّة
اما الدكتور داخل الزركاني التدريسي في جامعة بابل، والحائز على لقب الاستاذ الاول في الجامعة، فضلا عن حصوله على جائزة العلماء بالعراق ولثلاث سنوات متتالية، ويعد من المؤسسين الاوائل لمنتدى المخترعين في العراق، الذي يقع مركزه الرئيس في بغداد، سجل 16 براءة اختراع، حيث انجز سبع منها في عام واحد، واشهر ابحاثه وابتكاراته كانت عن تصميم صمام ثلاثي للحقن الجرياني، يعاني هو الآخر من عدم استثمار اختراعاته.
 
خطط
مسؤول شعبة البحث والتطوير السابق في جامعة بابل الدكتور جاسم محمد سلمان أشار الى أن «عدد براءات الاختراع في جامعة بابل لسنة 2018 هي 48 ابتكارا بمجالات متعددة، منها في المجال الهندسي والطبي وغيرها من المجالات الاخرى، اما جامعة بابل فاستثمارها لهذه الابتكارات قليل جدا، عدا واحدة سجلت في الولايات المتحدة الاميركية، وتم استثمارها من قبل شركة ادوية، وكتب عليها اسم الباحث العراقي». 
واوضح سلمان ايضا ان «وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، لديها خطة لاستثمار هذه الاختراعات والاستفادة منها، حيث أقامت العديد من المؤتمرات والندوات عن براءات الاختراع، وتقديمها للناس حتى يبين اهدافها ومجالات تطبيقها، وأحد هذه المؤتمرات سيعقد قريبا في جامعة بابل، وهناك خطوة اخرى للوزارة، وهي توزيع استمارة تسويق النتاج العلمي، تملأ من قبل الباحث الحاصل على براءة اختراع، وتعطى للوزارة وبدورها تسلمها للدوائر المختصة، وسيكون في المستقبل خطط جيدة لتفعيل استثمار براءات الاختراع».
 
التجسس العلمي
الاستاذ باقر جاسم محمد في كلية التربية الأساسية، قال عن البحوث العلمية التي يتطلب نشرها في مجلات علمية، لكي يحصل الباحث على الترقية ان»من الخطأ أن يتصور البعض أن التجسس يقتصر على الجانب العسكري والسياسي فقط، فإن هناك نشاطاً تجسسياً خطيراً في غاية الأهمية، انه التجسس العلمي، إذ لطالما عبرت دول مختلفة وشركات عديدة عن الشكوى المريرة من وقوع حالات تجسس علمي على ما تنجزه في مختبراتها العلمية، وسواء كان ذلك في الجامعات أو في مراكز البحث العلمي، وبهذا فإن البحوث العلمية في المؤسسات البحثية والجامعية تمثل جزءاً أساسياً من الأمن الوطني، ولا بد من لنا أن نعطي الأمن العلمي الوطني أهمية كبيرة، وننطلق من ضرورات الحفاظ على هذا الأمن في تحديد طبيعة السياسات المتبعة في مجال النشر العلمي». 
ويشير الاستاذ باقر جاسم «نجد أن من الأمور اللافتة للنظر أن الجهات المسؤولة عن الترقيات العلمية في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وفي الجامعات العراقية كافة، قد فرضت، ومنذ بضع سنين، على الأساتذة والباحثين في الاختصاصات كافة، وخصوصاً الذين يرومون الترقية العلمية إلى درجة الأستاذية، شرطاً لا مجال للتملص منه، ألا وهو أن ينشروا بحوثهم العلمية في مجلات علمية عالمية، من مثل تلك المجلات التي تمتلك ما يسمى بمعامل التأثير «impact factor»، ومنها محرك أو شركة تسمى «homson Reuter»، وهي شركة فرعية تابعة لوكالة أنباء «Reuters» الشهيرة، أو تلك المجلات التي تندرج في ما يسمى «Scopus”، وفضلاً عن ذلك، فإن هذه الجهات أصدرت تعليمات تنص على النشر في مثل هذه المجلات يجعل من البحوث المنشورة معفاة من إعادة التقويم العلمي، وصالحة لأن ترفع لغرض الترقية مباشرة بعد قبولها للنشر، ومن دون إخضاعها لعملية تقويم علمي ومنهجي ثانٍ في مجال الاختصاص، للتحقق من جدارتها العلمية والمعرفية، وهذا الإجراء لا يطبق بالنسبة للبحوث التي تنشر في مجلات علمية عراقية محكمة، إذ تخضع هذه البحوث للتدقيق العلمي، والتقويم مرة ثانية قبل إقرار الترقية العلمية».
 
تهديد
ويتابع محمد «ان اشتراط النشر في المجلات العلمية المذكورة أعلاه يجعل الأمن العلمي الوطني مكشوفاً تماماً للجميع ليس بالمجان فحسب، وإنما مع دفع الباحثين أنفسهم مبالغ قد تصل إلى بضع مئات من الدولارات لقاء نشر كل بحث، فلو كان هناك خمسة آلاف تدريسي عراقي في شتى الاختصاصات، ونشر كل واحد منهم ثلاثة بحوث لوجب دفع مبلغ قد يصل إلى (1500) دولار للبحوث الثلاثة، وهذا يعني تسرب مبالغ طائلة من البلاد، لقاء تسهيل مهمة التجسس العلمي للدول الأخرى على بلادنا!، وهكذا يظهر كيف أن هذا الإجراء يمثل تهديداً للأمن العلمي الوطني، خاصة إذا ما علمنا أن بعض البحوث المنشورة في المجلات الأجنبية، تتضمن معلومات علمية دقيقة وإحصائية سياسية واجتماعية واقتصادية مهمة للغاية، كما أنها قد تتضمن براءات اختراع مبتكرة، وأفكارا جديدة في المجالات كافة، قد تكون لبعض هذه الأفكار تطبيقات تكنولوجية مهمة».
ويقول جاسم: «إذا كانت الكتابة في المجلات العلمية العالمية أمراً ضرورياً لتحقيق حضور علمي وأكاديمي للعراق، فإن ذلك يجب أن يكون بعد دراسة معمقة لفوائد مثل هذا النشر من جهة، 
والنتائج والأخطار التي تترتب عليه من جهة أخرى، ويجب أن يكون النشر عن طريق الكتابة لهذه المجلات مباشرة، وليس عن طريق هاتين الشركتين أو أية شركات أخرى، كما يجب أن يخضع نشر البحوث العلمية في المجلات العلمية كافة، سواء أكانت المجلات عراقية أو أجنبية، لعملية فحص وتدقيق لتقدير أهميتها العلمية، وحقوق الملكية الفكرية لأصحاب هذه البحوث».
 
تجارب دول
تحارب الدول في دعم براءات الاختراع والاستفادة منها في مختلف قطاعات التنمية، ففي بعض الدول الاقليمية المجاورة كدولة الامارات العربية المتحدة، اذ قامت بإنشاء «برنامج تكامل»، يعنى بالابتكارات والمخترعين، حيث الهدف منه ترسيخ ثقافة الابتكار في الامارات، ومن خلال هذا البرنامج يتم منح محفزات للمخترعين، وذلك بمنحهم مبلغا ماليا لتطوير ابتكاراتهم وتحسينها للأفضل، فمنذ بداية تأسيسه في العام 2011 وحتى نهاية عام 2018، قدم هذا البرنامج خدماته لأكثر من 4340 مخترعا وتطبيق ابتكاراتهم على ارض الواقع. 
يتبين لنا من خلال المقابلات التي اجريناها مع المخترعين والباحثين أن العلماء في العراق يعانون من الاهمال، وسوء الدعم المادي والمعنوي من قبل الحكومة، فالدول تتقدم بما يبحثه ويخترعه علماؤها، ومن المعيب على الدولة ألا تستثمر اختراعات وابتكارات الباحثين، فعدم استثمارها في المؤسسات كل حسب عائديتها سيصاب المخترع بالإحباط وربما تسول له نفسه بأن يهاجر بلده ليجد من يهتم بما يخترعه، ونأمل في أن تعيد الدولة نظرتها بشأن علمائها.