هل سيتحول العاملون عن بعد الى رحّالة رقميين؟

بانوراما 2020/09/26
...

شارو سوري
ترجمة: ليندا أدور
بدأت بعض الدول ذات الاقتصاد السياحي الهش بمنح تأشيرات دخول تسمح من خلالها للأجانب للعيش والعمل فيها عن بعد لمدة لا تقل عن ستة أشهر، وجزيرة باربادوس، كانت واحدة من أولى تلك البلدان لمناطق تمتد من البحر الكاريبي الى أوروبا الشرقية، بإعلانها قبل بضعة أسابيع، عن برنامجها «ختم الترحيب» لفترة تمتد الى 12 شهرا، تنشئ من خلاله برامج للعاملين عن بعد عن طريق منح تأشيرات خاصة أو تمديد الحالية لتشجيع العاملين الحاليين بالانتقال للعيش بصورة مؤقتة، وقد انضمت دول إستونيا وجورجيا وبرمودا الى قائمة الدول التي تمنح تأشيرات مماثلة.
يقول أوسي سكيت، مدير السياحة في باربادوس أن: «السياحة هي شريان الحياة للبلاد»، فقد شكلت 14 بالمئة من الناتج الإجمالي المحلي السنوي للبلاد في العام 2019، بعد أن وصل عدد الوافدين الأجانب اليها الى أكثر من 712 ألف شخص، بينما تراجع هذا العدد خلال أشهر الربع الثاني من العام الحالي الى درجة تقارب الصفر. في حين أنه وخلال اسبوع من إعلان «ختم الترحيب»، وصل عدد الطلبات المقدمة من مختلف دول العالم الى أكثر من ألف طلب وكانت الغالبية منها من دول الولايات المتحدة الأميركية وكندا وبريطانيا. 
 
أسلوب حياة مستقل
حتى قبل تفشي الجائحة، شهد عدد العاملين عن بعد في عموم انحاء العالم تزايدا واضحا، إذ تشير الأبحاث من شركة (إم بي أو-MBO) الاستشارية الى أن أعداد العاملين المستقلين خلال العام 2019، وصف أكثر من سبعة ملايين منهم أنفسهم بأنهم «رحالة رقميون»، وهم أولئك الذين اختاروا إتباع أسلوب حياة مستقل بعيدا عن موقع العمل يمكّنهم من السفر والعمل عن بعد. تشير التوقعات الى تزايد الإقبال على نمط «الرحالة الرقميين» بين العاملين المستقلين خلال السنوات المقبلة بسبب انخفاض كلفة المعيشة فيه، وقد زادت الجائحة من تبني أسلوب العمل عن بعد، ويبدو أن العاملين المستقلين هم الأكثر استفادة منه، لأنه يوفر أسلوب حياة مستقلا ومتاحا تكنولوجيا.
أمضت ماغي تورانسكي، من جزر فينيكس، تدير موقعا الكترونيا مع شريك لها، تعيش حاليا في شقة في تبليسي بجمهورية جورجيا مقابل 500 دولار فقط شهريا، فترة تفشي الجائحة هناك وتقول: «لا يمكنني مقارنتها بأي مدينة رئيسة في بلد غربي آخر، فالخدمات هنا جيدة، ولا تتجاوز 50 دولارا شهريا، وشبكة الواي فاي جيدا جدا». 
أما أماندا كولبي، وهي أميركية وتعمل مدربة أعمال حاليا من ماليزيا، تقول بأنها تستمتع بالعيش والعمل عبر البحار خلال السنتين الأخيرتين، إذ تعيش في ست دول مختلفة؛ هي تايلند وفيتنام وأندونيسيا وقطر وتايوان. «في المستقبل المنظور، لا أخطط للعودة الى الولايات المتحدة، فأنا أفكر بإدارة عملي من بلد آخر مثل إستونيا أو باربادوس أو برمودا».
 
دعم الاقتصاد
تتشابه بعض المعايير الخاصة التي تضعها الدول أمام الزوار الدوليين، فبعد الجائحة، صارت جميع البلدان تطالب بشهادة تأمين صحي واختبارات للفيروس بنتائج سلبية، الى جانب إثبات وجود راتب شهري وكشف مصرفي. 
تأمل برمودا من «سياسة شهادة الإقامة» التي أعلنت عنها قبل شهر تقريبا بمساعدة صناعة السياحة في البلاد ودعم الاقتصاد، على حد تعبير رئيس وزرائها، إدوارد ديفيد بيرت. فخلال العام 2019، وصلت عائدات السياحة في برمودا الى 419 مليون دولار، وأكثر من 800 ألف زائر، وهو الأكبر في تاريخ البلاد، لكن، الجائحة خفضت من هذه الأرقام الى حد كبير ليصل الإنفاق السياحي خلال الربع الأول من هذا العام الى أقل من 20 مليونا فقط مقارنة بنحو 320 مليونا في العام الماضي، وتراجع عدد الأشخاص القادمين عبر الرحلات الجوية بنسبة 44 بالمئة. وفي غضون أيام من إعلانها برنامج شهادة الإقامة، استقبلت برمودا 69 طلبا من عموم أرجاء العالم. أما إستونيا، فستسمح تأشيرة الرحالة الرقمي الجديدة لديها والتي بدأ العمل بها منذ آب الماضي، للزوار بالبقاء بشكل قانوني والعمل عن بعد لمدة 12 شهرا.
 
مخاطر وعوائق
 يقول أوت فاتر، المدير الإداري للإقامة الالكترونية في إستونيا: «لأن البلاد لا تعتمد كثيرا على القطاع السياحي، بدأ الناس يدركون الحاجة لهذا النوع من العروض، ومن المؤكد أن الطلب سيزداد بشكل كبير بعد الجائحة».
 أما جورجيا فقد اطلقت برنامجها الالكتروني تحت عنوان «عن بعد من جورجيا»، وستسمح من خلاله للعاملين بالبقاء والعمل لستة أشهر، علما أن البرنامج متاح لمواطني 95 دولة فقط؛ ممن يسمح لهم بالدخول الى البلاد بلا تأشيرة. 
في الوقت الذي قد يكون فيه العمل عن بعد جاذبا للبعض ممن يمكنهم استخدام الحاسوب المحمول والحصول على إتصال سريع بالانترنت، قد لايكون بهذه السهولة لدى الكثير، اذ قد ينطوي على بعض المخاطر، منها عدم تغطية بعض الشركات للعاملين فيها، فضلا عن أن اللغة قد تشكل عائقا مهما كذلك. وقد تزداد الأمور تعقيدا بالنسبة لأولئك الذين لديهم اطفال، اذ قد تعاني الأسر مشاكل تتعلق بإلتحاق الأطفال في المدارس للدراسة عن بعد ليواجهوا مشاكل فارق التوقيت، أو مواجهة القيود المفروضة على الأطفال الأجانب عند تسجيلهم لدى مدارس محلية. لكن النهاية تبقى مع النقطة الأهم والأبرز، عند الانتقال للعيش في بلد آخر والعمل عن بعد، هي «الشعور بالأمان».