المولدات الأهليَّة ضجيج وتلوث وأسعار خياليَّة

ريبورتاج 2020/09/27
...

  سها الشيخلي

تلتف اسلاكها مشوهة الشوارع، انها ملكة الصيف بلا منازع، تنفث الدخان، عندما تطلق لصوتها العنان، تعيث خرابا برواتب المواطنين، وتلوث الاوكسجين، تتلاعب بأسعار الامبير، ومن سكن بقربها يستجير، تحتل الساحات والجزرات الوسطية، كلما انقطعت الطاقة الوطنية، في العراق صارت قضية، إنها المولدات الاهلية.
بدأت معاناة المواطن العراقي فور دخول هذه الآلات الى البلد، فضلاً عن سوء ادارة ملف الطاقة الكهربائية المتعاقب من قبل الوزراء منذ اكثر من 17 عاما، اذ تتوقف نهاية هذه الآلات على تحسن الطاقة الكهربائية، التي ستغني المواطنين وتعفي جيوبهم وميزانياتهم من الهدر
برمجة
خُلقت المؤامرات والخطط حتى في الجانب الاهلي، فالفاسد قد استطاع ان يجعل من كل شيء لصالحه، فمن ذبذبة التيار الوطني الى الانقطاع المستمر فيه، فضلا عن الفساد الاداري الذي يحقق امنيات من تسول له نفسه استغلال المواطنين بأبشع الطرق، اذ حدثنا حامد السوداني (44 عاماً) عن مأساته مع صاحب المولدة وقال: « لقد تيقنت بأن اصحاب المولدات الاهلية متفقون مع دوائر الكهرباء لجعلنا نعيش الظلام وحرارة الصيف، فبرمجة تشغيل التيار الكهربائي جاءت لمصلحة صاحب المولد، وخصوصا في استراحتها، اذ يتم اطفاء الطاقة الوطنية مع هذه الفترة، وبهذا يعاني المواطن ولايستطيع مطالبة صاحب المولدة بتشغيلها».
 
راتب من كل بيت
طال بقاء هذه المولدات، وطال استنزافها اجور وميزانية الاسر، اذ إن اجورها بدأت بمبلغ بسيط لا يتعدى الخمسة آلاف دينار للأمبير الواحد، ثم أخذت تتصاعد حتى وصلت الى 25 ألف دينار للأمبير الواحد شهريا، وبما إن أصغر أسرة يتكون أفرادها من أربعة أفراد، فالمشترك سيدفع اجور 4 امبيرات شهريا، اي يدفع لكل شهر 80 الف دينار، وهو مبلغ يقصم ظهر رب الاسرة ومعيلها، فكيف اذا كان عاملا يوميا بأجر لا يتعدى 25 الف دينار، فضلا عن الاوضاع الاقتصادية التي بدأت بتفشي جائحة كورونا، وجاء معها الحظرالكلي والجزئي، الذي تسبب بضائقة مالية لم يسلم منها الجميع، لتقضي على أحلام مثل هذا الكاسب اليومي ولتحيل يومه الى كابوس اقتصادي يقض على مضجعه.
 
25 ساعة في اليوم
تمر السنوات وتمرر الميزانيات التي تقدر بملايين الدولارات لوزارة الكهرباء، ونحن نتأمل بتحسنها ما أن يخرج ذلك الوزير الذي يعد المواطن ويطلق ذلك المزاح عبر شاشة التلفاز، فتارة يقول: إن الوزارة ستحقق الاكتفاء الذي يجعل المولطن يتمتع بالكهرباء لمدة 25 ساعة في اليوم، مع العلم أن اليوم هو 24 ساعة فقط، وتارة اخرى يطلق الامنيات ليقول: إن العراق في هذا العام سيصدر الطاقة الكهربائية الى الدول المجاورة، وها نحن لا نزال نتذبذب قهراً مع تذبذب التيار الكهربائي، وتنقطع انفاسنا كل ما قطع، اما العم ابو علي (57 عاماً) فقد انهكه حر الصيف وبث شكواه ليقول:» مللنا الوعود والاكاذيب في موضوع الكهرباء وانقطاعها المستمر، وصاروا أصحاب المولدات الاهلية يتحكمون براحتنا وعدمها، وفق ذلك يتلاعبون بأموالنا بسرقات مشروعة، ولم يبالوا إن كنت فقيرا مادياً ام لا، فان لم تدفع شهرياً المبلغ المترتب عليك لقاء الامبيرات، فسيقطع التيار بدون ادنى شك».
 
فن السرقة
لم تكن مشكلة الاجور هي الهم الوحيد الذي يقع على عاتق المواطن، اذ ان تفنن اصحاب المولدات في كسب بعض الاجور الاضافية من المواطن، فمن عطل جهاز التحويل واتصاله بين فترة واخرى لهدف شراء واحد جديد، الى انقطاع سلك التوصيل، بات اصحاب المولدات مشاركين لدخل الاسرة، محمد سعدون (34 عاماً) يشاركنا مأساته مع هذه الآلة وصاحبها ويقول:» اكثر من مرة بالشهر أعاني من انقطاع سلك التوصيل بين المولدة والمنزل، وهذا ما جعلني أشك أن وراء هذه العملية تدخلا بشريا وليس حادثاً طبيعيا، لذلك تابعت السلك لعدة ايام لارى ما السبب في انقطاعه بشكل مستمر، فلاحظت بعد ذلك أن أحد العاملين في المولدة، يقوم بقطع الاسلاك بشكل متعمد من اجل استحصال مبلغ اصلاحه لي، وعندما سألته عن السبب أنكر ذلك بحجة أنه يقوم بإصلاح أحد الاسلاك، لذلك لا بدّ والحد من هذه الآفة، التي سببها وزارة الكهرباء بتخليها عن المواطنين، الذي جعلنا ذلك الامر تحت رحمة أصحاب المولدات!».
 
5 آلاف دينار للأمبير
قبل ايام استبشر المواطنون عند الإعلان عن تحديد سعر الامبير للمولدة الاهلية، فحدد مبلغ خمسة آلاف للتشغيل العادي، وثمانية آلاف للتشغيل بمدة 24 ساعة في اليوم، مقابل توزيع الوقود مجانا لاصحاب المولدات الأهلية، الا اننا تفاجأنا أن صاحب المولدة لم يخفض بحجة ان مولدته اهلية، ولم يستلم الوقود المجاني كما يستلمها صاحب المولدة الحكومية، وان اكثر مولدات منطقتنا والمناطق الاخرى اهلية وغير مشمولة بحصة الوقود، مما دفعنا صاغرين المبلغ المطلوب وهو سبعة عشر الف دينار للامبير الواحد، وبهذا ضاعت علينا الحقيقة وكالعادة المواطن هو الذي يتحمل ارتفاع الاسعار، بسبب سوء الادارة والفساد ولعدم وجود البديل». 
 
بين الحكومة والمواطن
رغم كل ما ابداه المواطنون من معاناة نطق اخيرا صاحب المولدة، بعد أن صمت زملاؤه الآخرون، حيث قال ابو سجاد مبررا: «صحيح ما يقال ولكننا اصحاب مولدة اهلية وليست حكومية، وللأمانة أقول حتى المولدات الحكومية، لم تتسلم تلك المنحة المخصصة من الدولة وهي كما اشيع حصة من مادة (الكاز) لتشغيل المولدات لشهرين فقط، وهي الفترة التي تشتد فيها حرارة الصيف، اذ ينتابنا الحرج الشديد بين تصديق المواطن بهذه القرارات وبين عدمها، فالمواطن يطالبنا بتخفيض الاجور، حتى ان بعض المواطنين قدموا شكوى ضدي في مراكز الشرطة، لعدم تصديقهم كلامي».