آية حسين
تمكث سلمى وأسرتها في بيت صغير لا يتجاوز ٥٠ متراً، اذ تستيقظ كل يوم من الصباح الباكر، من اجل الحصول على وقت يسعفها للقراءة وفهم المواد، وقد اتخذت من محل والدها الموجود داخل المنزل، مكاناً لها لكي تتمكن من القراءة بهدوء، بعيداً عن ضوضاء أخواتها الصغار، ولأنها لم تستطع اكمالها في المدرسة مثلها مثل الكثير من الطلاب الذين لم يكملوا مناهجهم الدراسية
فمع بدء العام الدراسي، تفاجأت بظهور (كوفيد - 19) والذي فرض واقعاً جديداً على آلاف الطلبة، بعد أن عانى قطاع التعليم في العراق من شلل تام بسبب الانقطاعات المتواصلة عن المدارس منذ انطلاق الموسم الدراسي، على إثره فرضت السلطات الحكومية تعطيل الدوام الرسمي حفاظاً على سلامة الجميع.
تجاوز المحنة
تقول سلمى علي (18 عاماً) وعلامات التعب والسهر تبدو واضحة على محياها:"بسبب الظروف المعيشية الصعبة التي تعيشها أسرتي لم أتمكن من الدخول الى المحاضرات، فأصبحت أعتمد على نفسي في فهم وحفظ المواد، وعندما أجد أي صعوبة في البعض منها، أقوم بأخذ هاتف والدي وأشاهد بعض المقاطع المرئية التي تحتوي على شرح المواد، والحمدلله استطعت أن أتجاوز الامتحانات، وأنا بانتظار النتائج لكي احقق حلمي بدخولي الى كلية الطب".
آثار سلبيَّة
يجد الكثيرون من الطلاب صعوبة كبيرة في مذاكرة ومراجعة المواد العلمية، يقول محمد علي(19 عاماً)، واجهنا الكثير من المعوقات خلال العام الدراسي، اذ لم نستمر في الداوم أكثر من شهر واحد، وهذا ما كانت له آثار سلبية خصوصاً على طلبة السادس العلمي.
مضيفاً "لكون موادنا علمية تحتاج الى شرح وفهم، فنظراً لظروفي المادية المتوسطة لم أتمكن من دخول المحاضرات كلها على حسابي الشخصي سوى بمادتين فقط، اما بقية المواد فساعدني بها اخي كثيراً، ما جعلني أن أتجاوز الامتحانات بسهولة".
تأجيل الحلم
تحتل الحالة النفسية للطالب جزءاً كبيراً من تفكيره، وتشغل العقل بأمور خارجة عن الدراسة، وبالتالي تؤدي الى وقوع الطالب بالفشل، تقول لمى حيدر (18 عاما): "قررتُ تأجيل هذه السنة بسبب الظروف التي نعيشها، فمع بداية العام الدراسي انطلقت التظاهرات، وبعدها انتشر فيروس كورونا والذي على إثره توفي والدي، فتدهورت حالتي النفسية".
مبينة "لم تكن لدي اي قدرة على الاستمرار في الدراسة، وانتابني الشعور بالاحباط والخوف، من عدم قدرتي على تحقيق حلم والدي، ودخولي إلى كلية القانون، لذا فضلتُ تأجيل هذه السنة، على أن ألتحق بالدراسة في العام المقبل".
حجر
مسافة الألف ميل تبدأ بخطوة هذا ما تؤمن به الطالبة نور علي (18 عاماً) اذ تقول :"اصبتُ انا وأسرتي بفيروس كورونا، والذي على إثره خضعنا إلى الحجز المنزلي، فتدهورت حالتنا الصحية، وهذا ما اجبرني على ترك محاضراتي، الا أنني وعلى الرغم من مرضي لم أنقطع عن الدراسة".
موضحةً "عندما أجد صعوبة في اي من المواد ابحث عنها عن طريق الانترنت، او اتوصل مع زميلاتي عن طريق الهاتف، وتمكنا انا وأسرتي من الشفاء، لذلك اجريت جميع الامتحانات بسهولة".
"گلب والدة"
إن إعلان حالة الطوارئ فجأة في المنزل بسبب قدوم موعد الامتحانات هو امر تقليدي عند كل أسرة عراقية يخوض احد افرادها امتحان البكلوريا، ولان الامتحانات على الابواب فبعض الامهات ولاسباب كثيرة يشعرن بالقلق والتوتر في وقت ما قبل الامتحان، توضح ام محمد (43 عاما) : "عانيتُ كثيراً لكون اثنين من ابنائي يؤديان الامتحانات النهائية، اذ كنت استيقظ يومياً في الساعة الخامسة صباحاً، لكي اتمكن من انجاز بعض اعمال المنزل، واتفرغ بعد ذلك لمساعدتهما في فهم وحفظ المواد، التي يجدان فيها الصعوبة، ورغم خوفي من تاثير الظروف التي يواجهها البلد، ورغم خوفي عليهما من الوباء اثناء تاديتهما الامتحانات، الا أنهما تمكنا من تجاوزها بامان، وانا بانتظار النتائج، لكي احصد ثمره تعبي بنجاحهما".
مشروع قلق
النجاح الكبير يحتاج الى جهود عظيمة لكي يتحقّق، وهو في صوره المختلفة ودرجاته المتعددة، يحتاج الى عناصر أساسية تكوّن قاعدة هرميته على أرضية ثابتة.
يقول الباحث والاكاديمي احمد عباس الذهبي :"إنَّ معظم الطلبة يرون المباشرة في الامتحانات النهائية ستكون قاسياً مهما كانوا مهيئين لها، وذلك لعدم تواصلهم مع المدرسة، واعتمادهم على المعاهد الأهلية والتعليم عن بعد، وبين ضغوطات الأهل بضرورة المعدّل العالي، وظروف البلاد العامة، واجواء امتحانات البكلوريا يكون التحدي مرافقاً للخوف".
ويبين الذهبي "ان ضغوظات الأهل يمكن التعامل معها وفق ما توفَّر من أجواء أسرية، واهتمام أفرادها، أما ظروف البلاد العامة، فلن تعدَّ ذا تأثير كبير، فقد اعتدنا عليها، إلا أن اجواء الامتحانات والاصرار على اجرائها في اكثر اشهر السنة ارتفاعاً بدرجات الحرارة، هما اكثر ما يرهقان الطلبة".
واشار الباحث الى "أنَّ هناك مشروع قلق حتى في الأيام الطبيعية بدون كورونا، وهناك خوف من الامتحان وتوتر من أجل التفوق والنجاح، لذلك لا خيار أمامنا سوى المثابرة والتفوق واستغلال وقت الفراغ في القراءة، من أجل النجاح، ورغم كل الصعوبات يبقى النجاح هو الأساس وهو الثمرة في كل ما نفعله".