خوف وقلق واعتراض، صياح ومشاجرات انتهت برفض، اذ يتجنب الكثيرون إجراء المسحة الخاصة بفيروس الكورونا، خوفاً من تأكد الاصابة، على الرغم من درايتهم الكاملة وشعورهم بكل الأعراض التي تؤكد اصابتهم، حيث اطلقوا الحجج والاعذار للتهرب من هذا الاجراء الضروري.
إنكار
اقتحم التردد البعض ممن احسوا بأعراض الوباء، والعديد منهم رفض نصيحة الأهل والأصدقاء في الذهاب الى أقرب مراكز الفحص لإجراء المسحة الخاصة بجائحة كورونا، وارتضوا أن يكونوا تحت رحمة الجهل على أن لا يتم تأكيد اصابتهم امام الناس، يحدثنا عن هذا الامر مواطن رفض ذكر اسمه: " ما أنْ شعرت والدتي بأنَّ زوجتي مصابة بفيروس كورونا، حتى قالت ليّ أنْ أصحبها للمركز الصحي لاجراء لها المسحة، وضرورة التأكد من اصابتها من عدمها، لذلك طلبت من زوجتي وبكل هدوء كي لا أخيفها وأثير قلقها، بأن ترافقني لكنها رفضت رفضاً قاطعاً، وباسلوب شديد اللهجة حتى انها شاجرت والدتي، واطلقت عليها التهم، بانها لا تعاني من أي عارض صحي، وبسبب خوفي على والديّ قررت حجرها في الطابق العلوي من المنزل، وعرضت حالتهاعلى طبيب نفسي، وقد أعطاني بعض التعليمات للتعامل معها لحين انقضاء مدة الحجر".
آليَّة الدفاع
يحدثنا عن الجانب النفسي لحالات الرفض هذه الدكتور محمد عصام استشاري في الطب النفسي ويقول: "هذه الحالة موجودة عند نسبة كبيرة من الناس، وهي تعتبر آلية دفاعية نفسية مخزونة في اللاوعي، حيث تظهر عند الشعور بالخوف والقلق الشديد، وتسمى بآلية الانكار، حيث يعيش الشخص حالة من الصراع النفسي، وينكر لا شعورياً وجود مرض خطير، ليعيش وبصورة مؤقتة الهدوء والطمأنينة بأنه غير مصاب، وبهذا يعتقد أنَّه قام بحل هذا الصراع، فيزول منه القلق، وهذه الآلية اذا استخدمت بصورة متكررة وبكثرة، تفقد الشخص قدرته على اتخاذ القرار الصحيح، وتؤدي إلى نتائج وخيمة، ونحن كأطباء نفس من واجبنا أنْ نطمئن الشخص وندعمه ونساعده، ونشرح له هذه الحالة وهذا الصراع كي يأخذ خطواته وقراراته الصحيحة".
"جلطة قلبيَّة"
أصيب كل أفراد أسرة المواطنة هالة محمد (38عاما)، المكونة من أب وأم وثلاث بنات وجد بفيروس الكورونا، وبدأ الجميع بالتماثل للشفاء بعد أن التزموا بكورسات علاجية منتظمة، الا أن الجدة قد ساءت حالتها الصحية يوماً بعد يوم حتى وافتها المنية، تحدثت لنا هالة قائلة: "عندما بدأت تظهر علينا اعراض الفيروس، رفض زوجي اجراءنا للفحص، وقال لنا انها انفلونزا موسمية، ولا داعي للخوف والهلع، وحتى بعد أن توفيت والدته، كتب على لافتة العزاء بأنها أصيبت بجلطة قلبية، وشدد علينا على عدم إشاعة اصابتنا بالفيروس بين الجيران والأصدقاء، اذا جاء هذا التصرف بسبب انه يمتلك محلاً لبيع الخضار في ذات المحلة، وخوفاً من امتناع سكان المنطقة من شراء بضاعته".
"حق الجار على الجار"
بات الناس يتعاملون مع الفيروس كأنه عيب وعار، فالمصاب يكتم اصابته، ويحاول اخفاء اعراضه عن المحيطين به، لكي لا ينفضوا عنه، ويستمر بممارسة روتين حياته اليومي، ويهدد بهذا الإهمال حياة الكثيرين.
الجارة ام حسن روت لنا حكاية جارتها ام محمد حيث قالت:"أصيبت جارتي التي أتبادل معها الزيارات واحتساء فنجان القهوة بشكل يومي بالفيروس هي وابناؤها، وذلك بعد أن ذهبت لحفلة زفاف إحدى قريباتها، ولكنها لم تبح لي بذلك، واستمرت بزيارتي ودعوتي لمنزلها، بعد أيام قليلة بدأت تظهر عليّ انا وزوجي اعراض الوباء، وعندها قررت أن أبلغها بأننا سنخضع لحجر صحي داخل منزلنا، فما كان بها الا أنْ قالت وبشكل عفوي انها ستستمر بزيارتي لأنها مصابة هي الأخرى!، وفور عتابي عليها لها أنكرت الموضوع وقالت إنَّها أعراض برد عادية، وعندما طلبت منها اجراء المسحة، رفضت وامتعضت ولم تزرني منذ ذلك الحين".
سرٌّ
لم يقتصر الأمر على عدم اجراء المسحة واخفاء الأعراض عن الأقارب والأصدقاء، بل وصل ذلك الى داخل الأسرة الواحدة ايضاً، فقد تجد مصاباً بالفيروس من بين أفراد أسرتك يشاركك الطعام، المقاعد، السرير وكل شيء، دون ان تعلم بأنه مصاب بمرض كورونا، ابو علي يحدثنا يعد تأكده من اصابة ابنه وتفاقم حالته الصحية، وقال لنا:"ما أنْ تفقدت ابني وجدت الحمى قد طغت على جسده، وتحول سعاله الى صرخات تشق بلعومه، وعندما سألته عن زمن بدء هذه الاعراض، قال لي بأنها بدأت منذ خروجه مع أصدقائه الى أحد المقاهي المخصصة لشرب الاركيلة!".
"الواتس اب"
تتواصل تسع صديقات مع بعضهن على كروب في برنامج (الواتس اب)، اذ إن هذه المنصة في هذه الأوضاع تعتبر المنفذ لالتقائهن مع بعضهن، إحداهن تحدثت لنا وقالت: "بعد اصابة اثنتين من صديقاتي الثمان مع أسرهن بكورونا، تعاطفنا انا وباقي الصديقات معهن بشكل كبير، الى أنْ تمَّ شفاؤهن وبعد فترة شعرت واحدة أخرى بظهور بعض الأعراض عليها وعلى طفليها ايضاً، وجاءت تستفسر من الصديقتين اللواتي سبقتهن بالإصابة وثبت وجود الأعراض نفسها عليها، وعندما طلبنا منها اجراء المسحة، وأخذ بعض المقويات ومضادات الالتهاب، احسسنا من نبرة صوتها انها خائفة وقلقة على ابنيها، تحدثت لنا في اليوم التالي وبصوت كله بهجة وفرح بأنهم غير مصابين، وعندما سألناها، عن قيامها باجراء الفحص؟، اجابت لا!، والسبب لأن الأعراض اختفت، ولا تشكو وطفلاها من شيء، وبعد فترة تأزمت حالتها وحالة طفليها بسبب اهمالها للامر".
"تغيير الجو"
بعد أن بدأ المناخ الجوي بالتغيير، يستعد الشتاء لطرق أبواب سماء البلد وارضه وتوديع الصيف، يتعرض الكثير منا للإصابة بالانفلونزا الموسمية، والتي تشبه الى حد كبير أعراض الفيروس المستجد، وقد تختلط الأمور عند البعض، وهذا ما حدثتنا عنه ام أركان وقالت: "استدعتني ابنتي لرعايتها هي ومولودتها الجديدة، لكنها لم تخبرني بأنها أصيبت بفيروس كورونا قبل ولادتها بأيام، ما جعلتني أتعرض للاصابة انا ايضاً، فقد ظهرت عليّ الأعراض حينها، لذلك قمت بسؤالها إنْ أجرت المسحة هي وزوجها فقالت: انهما اعتقدا هذه أعراض الانفلونزا الموسمية، بسبب تغيير المناخ ولم يخضعا لأي تحليل او فحص".