ضيوف الفضائيات وتنمية الشائعات!

الصفحة الاخيرة 2020/09/30
...

زيد الحلي
 
في كل مرحلة  " تتسيد"  ظاهرة معينة، فتصبح " علامة مسجلة " باسمها، ولا اظن ان احداً لا يشاركني الملاحظة ان كلمة " الشائعة " كظاهرة اصبحت علامة " مسجلة " في المرحلة التي نعيشها الآن فهي الكلمة الاكثر شيوعاً في احاديث السياسيين وبعض " المحللين" بوسائل الاعلام، حتى باتت لصيقة في جزئيات الحياة اليومية، فعند الكلام عن " اجراء ايجابي " اتخذته الحكومة بشأن متابعة الفساد والفاسدين، يقول لك ابنك " بابا إنها اشاعة " وعندما يعلن مسؤول ان رواتب المتقاعدين ستدفع في اول الشهر، فالجميع يرددون ( لا تصدقوا .. مجرد اشاعة ) وحين يعلو سقف التصريحات حول معالجة اوضاع الخريجين، تقفز امامك كلمة " انها  اشاعة " وعندما تقرأ تصريحاً لمسؤول عن استتباب الأمن  يذكرك الواقع بأن ذلك التصريح مجرد " شائعة " وأخشى أن تتجذر هذه المفردة في الذهن المجتمعي، فيتصورها البعض من بسطاء المواطنين كلمة جميلة، فيطلقها على مولودته الجديدة، فنقرأ على وسائل التواصل الاجتماعي : إن فلاناً رزق طفلة جميلة سماها " شائعة " او " اشاعة" !
وامام من بيدهم ادارة امورالبلد، اضع حقيقة ثابتة، من الواجب دراستها وهي ان الشائعة طائرة أسرع من الصوت وفي احايين كثيرة اسرع من الضوء، وفي الذاكرة القريبة والبعيدة اسماء حوادث مؤسفة وانهيارات وتداعيات كبيرة وخطيرة في حياة الأوطان والشعوب اطاحت بعروش وامبراطوريات، وقفت خلفها وقادتها " شائعة" صغيرة باعتبارها من مفاتيح الشر!
وفي رأيي ان اهم اسباب انتعاش " الشائعة" يعود إلى انعدام المعلومات، وندرة الأخبارالموثقة، ومن هنا ينادي الخبراء بضرورة تزويد المجتمع بجميع الأخبار التفصيلية والدقيقة الممكنة حتى يكون على بينة بما يدور حوله من أحداث وأعمال تؤثر في حياته ومستقبله... وهذا ما يحصل الآن مع الاسف، وانني اشبه " الشائعة " بإنسان يمدحك في ضجة ويخونك في صمت، وهي اخس صور الخيانة، واخطر انواع "الشائعات" تلك التي تروج في أول الأمر، ثم تغوص تحت السطح كعقرب الرمال، لتظهر مرة أخرى عندما يتهيأ لها الجو للظهور، ويكثر هذا النوع من الشائعات في القصص المماثلة التي تعاود الظهور في كل حرب و في كل ازمة وعند اتخاذ اي اجراء اقتصادي مفاجئ او قرار بعزل فلان عن مسؤولية كبيرة او فشل في ادارة قضية تهم المواطنين .
وحسب دراسة علمية، فإن المعلومة الصحيحة تفقد 70% من تفاصيلها عند وصولها إلى الشخص الخامس أو السادس، ما يدل على أن الشائعة سهلة النشوء وسهلة التركيب، فبمجرد أن يحاول شخص تعويض المفقود من هذه التفاصيل، فإن المعلومة نفسها بتركيباتها الجديدة تتحوَّل إلى شائعة.. وهذا هو غالباً ما يحدث حين يحاول بعض ضيوف الفضائيات المحلية "الدائمين" أن يصوروا أنفسهم انهم أعرف أو أقرب من غيرهم إلى مصدر المعلومة.. فتكون تصريحاتهم الفاقدة للتأثير اخطر من "الشائعة" ذاتها التي يحاولون الرد عليها !
دعوة الى اصحاب القرار : انتبهوا رجاء الى خطورة " الشائعات" التي تدور مثل الثعابين حول اعناق الوطن ، اقتلوها في مهدها ، وانهوا غلوائها ونتائجها المدمرة بإجراءات الصدق والشفافية قبل فوات الأوان ..!