شعراء الفيسبوك

ثقافة شعبية 2020/09/30
...

كاظم غيلان 
 
أتاحت مواقع التواصل الاجتماعي مساحة لاحدود لها في نشر كل ما يحتاجه المشترك ومهما كانت درجة وعيه، وبهذا أصبح النتاج الشعري بفصيحه وعاميته متاحاً دونما حاجة لتأسيس علاقة مع مسؤولي الصفحات المعنية بنشر هكذا نتاجات، سواء كانت محاولات أولى في التجربة أم غيرها، وبلا مقص رقيب وانتظار موعد صدور المطبوع، بل وتعدى الأمر للمشاركة بفعاليات دولية وعربية من خلال خدمة( الماسنجر) لاسيما الجنس الناعم، اذ تمت العديد من الدعوات من خلال المحادثات والكاميرا مع بعض أعضاء وربما رؤساء اللجان المنظمة للفعاليات. 
في شعر العامية العراقية طغى كل ماهو رث وبذيء وسط تشجيع وانبهار صداقات هذا العالم (الافتراضي) ولذا تجد بقايا ثقافة العنف تمارس جدواها حتى في ( الغزل) كخطاب عاطفي يشكل لوناً عرف به الشعر منذ وجد، فتجد ترحيباً لهزالة هكذا فوضى على شاكلة (يلي طولج سيطره وكلبي انضباط/ أنتي مرتاحه بحياتج وآنه شاصي أبلا بدي/ راح أطفرسطحكم واكسر ايدج هلبت أتوبين/ فلكة العشرين خصرج وآنه نافوره وطفيت).
هكذا نماذج هزيلة لها جمهورها الذي( ينفخ) كتبتها من خلال عدادات الأعجاب التي تتجاوز الآلاف، فضلاً عن التعليقات السمجة ( فدوه أغديلك/ الله/ كبير/ تخبل .... الخ). 
المعادلة واضحة جداً لمن يرصد الخراب الحاصل بمجمل تفصيلاته، فأصحاب الاعجابات وكتبة التعليقات هم جمهور الكاتب الذي هو لائحة أصدقائه في الفيسبوك ولو تحول الأمر لوجدنا جمهوره في قاعة المهرجان الذين يصدعون رؤوسنا بالتصفيق الذي تصحبه أحيانا(صفارات) وصيحات الثناء ) الللله.... أعد).
المساحة المتاحة في عالم الفيسبوك يمكن استثمارها كما الأرض الصالحة لكل ما هو خصب وجميل وعلينا التحكم بها والانحياز للنتاج الشعري الحقيقي، بل يمكن لنا فرز أصوات شعرية لها مستقبلها اذا ما عززت كتاباتها بوعي شعري يوازي نتاجاتها من خلال تعليقات حريصة مسؤولة، وهنا يتشكل وعي نقدي تحتاجه هذه النتاجات، أما الهابط منها فحتى الأعجاب سيسهم في ترويج كل ما هو متدن على حساب 
ذائقة الناس.
إن بعض لجان التحكيم في المسابقات الشعرية اعتمدت هذه السياقات اللامسؤولة في منح درجات التفوق، والأمر ليس بالمستغرب اذا ماعرفنا أن بعض أعضاء هذه اللجان خدمتهم فرص عملهم في الأعلام والشهرة السريعة التي اقتنصوها بضربة حظ في زمن انحطاط الوعي وشيوع النماذج الركيكة من خلال بوابات عديدة لعل أبرزها( الأغنية) التي هي الأخرى تشهد تراجعاً مخيفاً وسط رعاية وتشجيع مؤسسات اعلامية بارزة عشعش بها جيش من الشحاذين والمرتزقة المأجورين من (صيادي الأخبار واللواحيك). 
شعراءالفيسبوك ظاهرة لايمكن تحقيبها أصلاً فهي محض ولادات تكنولوجيا لم نكن نحن العراقيين قد ألفناها قبل عام 2003 وبقدر ماهي نعمة معرفية، الا أن البعض جعل منها نقمة افترست ذائقة المتلقي.