ومضت فكرة كتابة هذا المقال، حين كنت أقرا قصة قصيرة جدا للكاتب الاسباني الغرائبي الكبير (خوان خوسيه مياس).. حين قال لدينا شغف مثير باتجاه القشور، ثم ذكر أمثلة على ذلك: الشغف بالعلب، الخزائن، وما يشبه الاقلام الجافة التي باتت بلا حبر، من هنا تذكرت كل القشور ودورها المهم في حياتنا، فنحن أساسا كائنات بشرية قشرية إن جاز التعبير، تتكون من مجموعة من القشور.. ابتداء من قشور الملابس الى قشور الجلد الى قشور العظم الذي يحيط باحشائنا تماما كالبصلة.
ثم هناك قشور البيوت من الجدران الخارجية الى جدران الغرف الداخلية كلها قشور تحمي دفء العائلة وأسرارها.
ثم قشور المدن الحزام الاخضر الاشجار وجدران القلاع القديمة.. وقشور الجنين وهو مرتبط بالمشيمة في رحم الأم، ثمة الكثير من القشور التي تحيط به كما لو كان ثمرة ثمينة يخبؤها الرب للمستقبل.. وفي المعتقدات هناك قشور الدين وقشور التدين، لأن ثمة آراء تطرح وتحاجج بقوة .
إنَّ الكثير من الناس يأخذون بقشور الدين، ويتركون لبته الحقيقية والمقدسة قشور المتدين أرديته الكهنوتية ولوازم عمله الفقهي في الفصل بين الانسان وربه.. قشور المسؤولين عربات فاخرة وحمايات شديدة المراس والقسوة، والعجيب ان معظم هؤلاء المسؤولين لن تجد لهم لبًا سوى قشورٍ تغطي قشوراً.
في الوباءات التي نعيشها الآن ثمة قشور تقينا العدوى والاصابة بالفيروس، القفاز قشرة الأصابع والكمامة قشرة الفم والأنف، الشفتان قشرة اللسان وهما كثيراً ما يقومان باعمال تفوق حتى مهمة اللسان اللغوية والخطابية.. فقط ثمرة القبلة هي وحدها كفيلة بصنع حياة وسعادات لا يمكن لأية قشرة في الأرض أن تعادلها.
الحقيبة قشرة الأسرار والبوح السري للمرأة واكسسوارات حياتها الداخلية، القبعة قشرة الرأس التي تعطي للآخر رسالة ما أو شيفرة حضارية و جمالية.
ثم الكثير من القشور النافعة للفاكهة كما يقول خبراء الأغذية، ابتداء من قشور البطيخ الأحمر وقشور التفاح، وثم قشور تحدث ارباكا سيرياً إن وضعت في غير محلها، كقشرة الموز التي تحذّر منها مؤسسات الخدمات العامة والمنظفون في شوارع المدن وجزرها الوسطية.
بدنة المسدس قشرة الرصاصة القاتلة، الرصاصة محزمة بقشرة أخرى وكأن الموت ينتظر لبة النهاية الساخنة والسريعة كلمح البصر. الغلاف قشر الكلمات المخبوءة بين طيات صفحات الكتب، السطح الصقيل للوحة قشر اللون والفكرة المفروشة على تلك السطوح البيضاء، المكتبة قشرة الكتب الجبارة بما تحويه من سحر وجمال واسطورة وتأريخ وعلوم مختلفة، الكون كله قائم على فكرة القشور، من قال لنا ان القشور عديمة الفائدة؟!. القشرة أساس صناعة لبة الحياة وصيانتها، الصلاة قشرة الايمان والخلوة لب المؤمن، لكن أليست الصلاة قشرة الرب البيضاء ولباس الخلق الاول؟! نحن قشور التراب لأرواحنا الشفافة، ولهذا كله فنحن القشرة المقدسة للوجود ولأمنا الارض، قشرة الرحم والقبور التي ستكون قشرتنا الاخيرة .