البرلمان وإنصاف المرأة

اسرة ومجتمع 2020/10/12
...

  د.عبد الواحد مشعل
 
 
شهد تاريخ الحركة النسوية العراقية منذ عشرينات القرن الماضي نشاطا وكفاحا مميزا بين النساء العربيات، واستطاعت المرأة العراقية، لاسيما في المدن من إيصال صوتها الى العالم من خلال نشاطها الإعلامي أو عقد المؤتمرات، فكان مؤتمر المرأة العربية الثاني في بغداد 1930 علامة مميزة عن نهضة المرأة العراقية من اجل حريتها وإنصافها اجتماعيا، ثم مرت على البلاد بظروف وتغيرات كثيرة اتخذت المرأة أوضاعا أكثر تطورا، لكن كانت متأثرة في كل حقبة من الحقب بلون أيديولوجي يوجهها، ولم تعد تملك زمام المبادرة المستقلة تماما، مما حدا بكثير من النشطات الوطنيات الى مغادرة البلاد آنذاك، وبعد 2003 وبعد سلسة من الحروب تركت آثارها في هذه المرحلة، ومع التراجع الاجتماعي والحضاري والتعليمي والاقتصادي للمجتمع ككل تراجع دور المرأة، لذا فإن دعوة دولة رئيس البرلمان العراقي الى أنصاف المرأة، ينبغي ألا يفهم على انه تسويق لمرحلة ما، بقدر ما يجب أن تأخذ موضع الجد في نهضة المجتمع ككل، والتي تنهض معه المرأة والرجل معا، فالمرأة نالها من الحيف الشيء الكثير، ولكن لهذا الحيف أسباب ذاتية، وأخرى موضوعية، ينبغي أن تشخيصهما سريعا ، لكي يكون العلاج ملائما وعميقا، وإلا سيظل الكلام مجرد كلام، فالأسباب الذاتية متصلة بالمرأة نفسها التي لم تساعد نفسها في تنظيم أوضاعها الوطنية، وبدلا من تشكيل جبهة نسوية عراقية لجأت بعد 2003 الى المنظمات المجتمع المدني المدعوم خارجيا أو المشاركة في برامج ممولة من الخارج، وبدلا من التركيز على التنمية المعرفية للمرأة قفزت بها الى مستويات أعلى من المطالبة مثلا بالحقوق السياسية (الكوتا) وغيرها، والمفروض أن تتضمن آليات عمل تنهض بالمرأة في بيئتها، بالاشتراك مع الرجل لان المجتمع العراقي مجتمع شرقي والترابط بين المرأة والرجل ترابط جدلي، فتطور احدهما لابد أن يشمل الأخر، وهذا مرتبط بالعوامل الموضوعية التي ينبغي أن تستند الى خطة تنموية حقيقية وشاملة تبدأ بنهضة القطاع التعليمي والصحي والصناعي وقطاع الخدمات وبالجانب العمراني وتخطيط المدن وتنمية الريف ثقافيا 
وصحيا. 
فإنصاف المرأة والرجل والطفل والفقير وذوي الاحتياجات الخاصة والمسن يبدأ بهذا المشروع التطبيقي إذا تمكنت الدولة منه، لابد من أن تكون له نتائج هذا أساسية منها، أولا إشباع الحاجات الأساسية للإنسان والتي بها تتحقق الهوية الوطنية التي بها يقاتل العراقيون من اجل كرامتهم وكرامة المرأة، وثانيا سيتم تلقائيا القضاء من البؤر التي تحط من مكانة المرأة وكرامتها وتخليصها من ظواهر أصبحت هي ضحية لها، وثالثا سيكون للتعليم دور خلاق في بلورة وعي مجتمعي، يأخذ بنظر الاعتبار المساواة الحقيقية التي تصون المرأة والرجل معا وتصون قيمنا العربية والإسلامية والوطنية، رابعا تفعيل دور القطاع الخاص الإنتاجي بمواصفات عالية مع وجود قوانين ضمان اجتماعية سارية عليه، وخامسا الاهتمام بالمشكلة الإسكان وتوفير السكن اللائق لكل أسرة، والعمل على تفعيل التخطيط الحضري للمدن وربطه بطرق حديثة مع المناطق الريفية والعمل على تنمية الانتاج الزراعي والذي كان ولا يزال للمرأة الريفية دور مشهود فيه، كما ينبغي تفعيل الإنتاج الريفي، وإشباع حاجات أهل الريف مما يقلل من أسباب النزاع العشائري، وجعل القانون هو الفيصل، فضلا عن إجراءت أخرى ممكن يتضمنها المشروع التنموي، إذا ما أراد البرلمان أو الحكومة فعلا إنصاف المجتمع، بما فيهما المرأة والرجل.
إنَّ الحديث عن إنصاف المرأة ينبغي أن يستند الى بناء ستراتيجية وطنية متكاملة تأخذ بنظر الاعتبار المشتركات الوطنية حتى يكون البناء صحيحا ومثمرا وتستفيد منه الأجيال 
القادمة.