الكمامة.. {دكتاتوريَّة صحيَّة} عند بعض الفرنسيين

بانوراما 2020/10/14
...

باريس: أ ف ب
غالبية الفرنسيين يعتقدون بأنَّ الأقنعة الواقية تمنع من الإصابة بوباء 
(كوفيد – 19). لكن ثمة من يرى بأن هذه الكمامات ليست إلا "أغلالا" من أجل "استعباد" الناس، وينظمون حملات على مواقع التواصل الاجتماعي للتنديد بما يسمونه "بالدكتاتورية الصحية".
السيدة مانويلا من بين الذين يرفضون ارتداء الكمامة الواقية. هذه الفنانة التي تبلغ من العمر 57 عاما وتعيش في منطقة "ليسيفين" قرب مدينة نيم جنوب شرق فرنسا، لم يسبق وأن اشترت كمامة واقية. وقالت: "لم أفكر حتى في ذلك. طبعا، أحاول احترام القوانين عندما أدخل إلى المحال أو الصيدليات، وذلك بوضع منديل أو قماش على فمي، لكن في الشارع أرفض رفضاً باتاً ارتداء الكمامة".
الشيء عينه بالنسبة للشابة فيونا، والتي كتبت على صفحتها على فيسبوك في أيلول الماضي بأن الشركة التي تعمل فيها قامت بتسريحها من العمل لأنها رفضت ارتداء الكمامة الواقية. أما سولين (30 عاما)، فهي الأخرى لا ترتدي الكمامة أكثر من ساعة حتى في مكان عملها. وقالت: "لا أرتدي الكمامة الواقية سوى أمام المرضى". 
تعمل سولين كممرضة في مركز علاجي. فرغم غضب زملائها في العمل بسبب تصرفها، إلا أنها رفضت ارتداء الكمامة. وشرحت: "ليس لدي خيارات كثيرة. فإما أنْ أشتغل دون كمامة أو أرتديها لكن في هذه الحالة، سأصاب بصداع في الرأس الذي غالباً ما يجبرني على مغادرة مكان العمل وبالتالي تسليم المرضى لزملائي".
وأضافت "عدا رفيقي في الحياة وأخي اللذين يشاطرانني الرأي، أشعر بأنني وحيدة" تقول هذه الشابة التي انضمت إلى مجموعة تأسست على فيسبوك، وتضم 6000 مشارك، كلهم ضد فكرة ارتداء الكمامات من (كوفيد – 19).
هذا، وأظهر استطلاع للرأي أجراه معهد أوديكسا/ دانتسو في نهاية آب الماضي "أن نحو 25 بالمئة من الفرنسيين فقط يعارضون فكرة ارتداء الكمامة الواقية في حين يساندها 75 بالمئة".
أعداد الفرنسيين الرافضين لارتداء الكمامات الواقية ضئيلة جداً. لكن رغم ذلك، فقد نظموا في أواخر آب الماضي مسيرة احتجاجية بباريس ورفعوا شعار "حرية" "حرية". لكن بالمقابل عدد المشاركين في تجمع مماثل ببرلين في مطلع آب أكبر بكثير، إذ وصل إلى 20 ألف شخص، ما جعلهم يكونون سلسلة بشريَّة كبيرة على الحدود مع سويسرا.
ويقول أنطوان بريستيال من "مؤسسة جان جوريس": "إنَّ التعبئة التي نظمها المناهضون لارتداء الكمامات الواقية على مواقع التواصل الاجتماعي لم تأت بثمارها لغاية الآن. لكن بإمكانها أنْ تتطور أكثر في المستقبل، شأنها شأن حركة السترات الصفراء".
ويصف هذا المتخصص في العلوم الاقتصادية والذي قام برصد آراء 1000 شخص معاديين لارتداء الكمامات بأنَّ "غالبيتهم هم نساء ورجال يتعدى عمرهم الخمسين سنة، ينتمون إلى طبقة اجتماعية مثقفة وغالبتهم من التيار اليميني، عكس السترات الصفراء الذين هم عموما من اليسار. كما "أنهم يطالبون بحرية أكثر وبالمساواة".
هذا، ويستخدم المعارضون للأقنعة الواقية بإفراط مواقع التواصل الاجتماعي ويتناقشون في ما بينهم من أجل إقناع أشخاص آخرين بأفكارهم. ومن بين هذه الأفكار، تلك التي تزعم بأن "الفيروس يمر عبر الكمامة " أو "الكمامة تمنعنا من التنفس بشكل جيد ومن تبديل الهواء في الرئتين"...
وغالبا ما يرفقون أقوالهم بفيديوهات تبين أشخاصا معروفين يقومون بحملة ضد ارتداء الكمامة الواقية، مثل مكسيم نيكول من السترات الصفراء التي أكدت بما أنَّ "دخان السجائر يمر عبر الأقنعة الواقية، فيمكن أيضا للوباء أن يمر عبر الكمامة".
هذا التفكير يترجم مدى نقص الثقة الموضوعة في مؤسسات الدولة وفي الخطابات السياسية، يقول أنطوان بريستيال. وأضاف "مجموعات فيسبوك تنشط كفضاءات مغلقة لا تسمح بمعرفة آراء الآخرين. لكن بالمقابل هم مستعدون لاحتضان أي شخص يتقاسم معهم مواقفهم وآراءهم، بما فيها أصحاب نظريات المؤامرة".
هذا، وتشير دراسة أنَّ 63 بالمئة من المستطلعين يصدقون نصف نظريات المؤامرة التي تطرح لهم. ومن بين هذه النظريات تلك التي تزعم بأن وباء (كوفيد – 19) تم صنعه من قبل الصين، لخوض حرب عالمية جرثومية ثالثة ضد باقي سكان
العالم.
ويرى المناهضون لارتداء الكمامات الواقية بأنه توجد رهانات سياسية تقف وراء استخدام هذه الكمامات. فمثلا مانويلا تعتقد أن الدولة تجني أرباحاً باهظة من بيع هذه الكمامات.
وفي ما يخص هذه النقطة بالتحديد اعترف الباحث أن "ستراتيجية التوعية التي اتبعتها الحكومة الفرنسية اتسمت بنوع من التردد، الأمر الذي زاد من قناعة المناهضين لارتداء الأقنعة الواقية".
وأضافت سولين "الإجراءات الحكومية أخذت حيزا كبيرا في حياة الفرنسيين وأصبحت تقريبا "غير منطقية". بينما تعتقد أن الهدف وراء ارتداء الكمامة بشكل إجباري هو مراقبة السكان وتقليص الحريات الفردية.
وتساءلت: "بأي حق أو على أساس أي قانون نترك المسنين يموتون في عزلة تامة؟ وبمقتضى أي قانون نمنع التقاء الأسر"، منتقدة في الوقت نفسه "لوحات الإعلان التي تلقي بالذنب على الأحفاد الصغار الذي يريدون زيارة المسنين".
كثيرون هم من يدعون إلى مقاومة هذه "الدكتاتورية الصحية"، لكي لا يتحولون إلى "أكباش" حسب بعض التعليقات على فيس بوك. فما هو يا ترى مستقبل المناهضين للكمامات الواقية؟ فبينما سيتم تنظيم تجمعين في منطقة "نورماندي" ومدينة ليون في شهر تشرين الأول الحالي، نلاحظ انضمام بعض الفرنسيين الذين يعانون من آثار كوفيد السلبية على وظيفتهم مثل مالكي المطاعم والمقاهي إلى الرافضين لوضع 
الكمامات.
لكن رغم ذلك، تبقى غالبية الفرنسيين مع فكرة ارتداء الكمامة، حسب نتائج استطلاع أجراه معهد "إيفوب"، "لكن في حال استمرت الأزمة الصحية يمكن أن يتغير موقفهم لصالح الرغبة في الحرية"، حسب قراءة الباحث أنطوان بريستيال.