بي بي سي
يخلو استخدام السيارات ذاتية القيادة من ممارسات سائقي المركبات من البشر، مثل الضغط بشدة على دواسة الوقود أو الإفراط في تحريك عجلة القيادة. لذا، تبدو السيارات ذاتية القيادة الحل لجميع مشكلاتنا على الطريق.
فالخوارزميات لا يمكن أنْ تشعر بالنعاس أو يشت انتباهها. وتلك هي الأسباب الرئيسة للوفيات على الطرق، كما أنها ليست عرضة للغضب الذي ينتاب السائقين، أو تناول الطعام أثناء القيادة، أو العبث بأنظمة التسلية والترفيه أثناء القيادة. ويمكن أنْ تتحرك بشكل أسرع، وبأمان أكبر عبر الطرق، وهو ما يقلل من الازدحام.
والأنظمة التي تعتمد على أجهزة الكمبيوتر أفضل من نظيراتها البشرية في اختيار الطرق التي توفر أكثر كفاءة في استهلاك الوقود، فضلاً عن أنها تسرع وتتوقف بطريقة أكثر سلاسة. هذه الممارسات الصديقة للبيئة مجتمعة توفر الوقود، وهو ما يقلل في نهاية المطاف من انبعاثات العادم.
من السهل أنْ ندرك لماذا يرى البعض الدقة والقدرة على التنبؤ الناتجة عن تسليم عملية التحكم في المركبات إلى الخوارزميات كحل، ليس فقط لقضايا السلامة، ولكن لمشكلات بيئية يواجهها النقل البري أيضا. ولكن إدراك هذا الواقع يعني التغلب على العديد من التحديات. في ما يلي ثلاثة منها.
ربما كان من غير البديهي ما توصلت إليه دراسة في جامعة ميشيغان في العام 2018 من أن التحول نحو المركبات ذاتية القيادة يمكن أن يزيد (بدلاً من أن يقلل) حاجة السيارة للطاقة.
إنَّ التعطش المتزايد للطاقة يأتي، جزئياً، من جميع ما تحتاجه السيارات ذاتية القيادة من المعدات والأجهزة الإضافية. فلكي تتنقل هذه السيارات في طريقها في عالمنا الفوضوي والمعقد، فهي تعج بكاميرات متقدمة وأشعة ليزر وأجهزة استشعار أخرى.
وعلى الرغم من أن هذه التكنولوجيا تساعد في الحفاظ على سلامة الركاب، فإنها تعني أيضا زيادة الوزن، وهو ما يزيد من كمية الطاقة اللازمة لتحريك وتسيير السيارة. كما أنَّ إضافة الأجهزة إلى الأجزاء الخارجية من السيارة (بدلاً من صبها وقولبتها داخل جسم السيارة) يعني أنها تمخر الهواء بكفاءة أقل.
والقدرة الحسابية تعدُّ مشكلة ذات صلة. فالمركبات الحديثة ترصد كل شيء من درجة حرارة الزيت إلى توقيت المحرك وعمل المكابح. وهذا ينطوي على تنقل مستمر لكميات ضخمة من البيانات كل ساعة. ومن المتوقع أنْ تكون كمية البيانات أكبر كثيرا في السيارات ذاتية القيادة.
ما هو السبب؟ كل هذه المجسات الإضافية تنتج كميات أكبر بكثير من البيانات، والتي يجب أن تقوم خوارزميات القيادة الذاتية بتمشيطها والتأليف بينها والعمل عليها.
كما ينبغي أن تفعل المجسات ذلك بسرعة وبطريقة صحيحة. وهذا يتطلب قوة حوسبة فائقة. ولكن لا أحد يستطيع تخمين كم هذه القوة. ولم تتحدث الشركات المنتجة سوى عن القليل بشأن مقدار الطاقة الإضافية التي تحتاجها المركبات ذاتية القيادة لكي تقوم بكل هذه المهام الحسابية. كما أنها لم تشارك أحدا بشكل قاطع المعلومات عن الكيفية التي يخططون لتلبية هذه الحاجة بها.
هناك حل واحد، هو تجهيز السيارات ببطاريات أكبر. ولكن هذا يضيف وزنا، وهو ما يقلل من الكفاءة. التحول من محرك يعمل بالوقود إلى محرك يعمل بالكهرباء هو حل آخر. وهذا الأخير أكثر كفاءة بكثير في توجيه الطاقة المخزنة لتحريك العجلات. بيد أن بعض المعادن الخام المستخدمة في السيارات الكهربائية تأتي من جمهورية الكونغو الديمقراطية، البلد الذي عانى طويلا من مزاعم متعلقة بعمالة الأطفال. وعلى الرغم من إمكانية استخراج المعادن من البحر، فإنَّ ذلك يطرح تحديات سياسية، حيث تتنازع الدول منذ فترة طويلة حول حقوق التعدين في قاع البحر.
السيارات ذاتية القيادة ليست مهيأة، قريبا على الأقل، ليمتلكها الأفراد. وبدلا من هذا يمكن أن نتوقع أساطيل من سيارات الأجرة ذاتية القيادة التي يُطلق عليها روبوكاب " robocabs". وفكرة الروبوكاب لها فائدة بيئية أخرى: وهي تقليل عدد السيارات المطلوبة لخدمة السكان، وهو ما يقلل في نهاية المطاف من الانبعاثات.
إنها فكرة تنفق بعض الشركات المليارات لتنفيذها. فعلى سبيل المثال، أنفقت شركة "أوبر" العملاقة أكثر من مليار دولار على تطوير سيارات أجرة ذاتية القيادة، واختبرت التكنولوجيا في سان فرانسيسكو وبيتسبرغ.
وقد أجريت اختبارات مماثلة من قبل شركة وايمو "Waymo"، وهي شركة ناشئة لتكنولوجيا القيادة الذاتية مدعومة من شركة ألفابيت "Alphabet" التي ولدت من مشروع غوغل التجريبي للسيارات ذاتية القيادة.
عندما يتعلق الأمر بالسيارات ذاتية القيادة والبيئة، يكون القول المأثور "المشاركة اهتمام" صحيحا على نحو خاص. فقد اتضح أن الجانب الأكثر أهمية في مسألة خفض الانبعاثات لا ينطوي فقط على تفضيل الروبوكاب على السيارات الشخصية، ولكن أيضا التشارك في ركوب السيارات.