الوباء يهدد البصمة

ريبورتاج 2020/10/17
...

 مآب عامر
 
يدرك يوسف محمد أن جلّ ما كان يتمناه قد تحقق، عندما أعلنت الأمانة العامة لمجلس الوزراء، في الخامس من آذار الماضي، عن إلغاء بصمة الحضور الالكترونية لموظفيها، وذلك بعد تعليمات وزارة الصحة وخلية الأزمة، في إجراء وقائي للحد من انتشار فيروس "كورونا" في العراق. فعادة ما يخوض محمد صراعاً يومياً للوصول إلى وظيفته في مواعيد الحضور الرسمية، ولتجنب ما يترتب على تأخيره من أثر اداري ومالي، وعند اللحظة التي يدخل فيها إلى مقر عمله، يسرع بشكل تلقائي إلى جهاز البصمة الالكتروني ليوثق حضوره، غير إن محمد يوسف البالغ من العمر (44 عاماً) ليس ملتزماً بمواعيد الحضور دائماً.
إذ إنَّ هذا الأمر يرهقه ويؤكد أنَّ "الطريق من شقته الواقعة في مدينة بسماية لعمله في وسط بغداد قد يستغرق ساعة، وربما ساعتين".
ولكن ذلك لا يعد عذراً مقنعاً لجهاز يفتقد المرونة، ويضيف"وهذا يجعلني أشعر بالقلق مراراً من الوقت".
 
محدد الوقت
قد يبدو إلغاء البصمة الالكترونية والاستعاضة عنها بتواقيع قوائم الحضور والانصراف أمراً ايجابياً لمحمد يوسف وغيره من الموظفين، الذين لا يتمكنون من الإيفاء بمواعيد العمل الرسمية.
ففي الكثير من الدوائر والمؤسسات الحكومية، يتيح قرار الإلغاء للموظفين فرصة التخلص من الرقيب، والحضور والانصراف بأريحية،  وعدم الالتزام بالمواعيد الرسمية، الذي يقول عنه المستشار القانوني أيهم عبد الرزاق، إنه يمكن أن يؤدي إلى "إرباك العمل وتأخيره" طالما لدينا هيكلية تعتمد على متخصصين في إدارة العمل وتنفيذه.
اذ يحتوي جهاز البصمة الالكترونية على شاشة لها علاقة بآلية تحديد الوقت والتاريخ عند قراءة بصمة الموظف، ليتم بعد ذلك نقل البيانات من خلال شبكة داخلية بين الكمبيوتر وجهاز البصمة.
 
"حلل خبزتك"
إنَّ المشكلة تحدث بنظر عبد الرزاق حين يتطلب العمل متابعة الموظف في اللحظة التي يُتوقع منه "التواجد طيلة ساعات الدوام" لتكتشف غيابه، وهذا الأمر يعيق العمل ويجعله أصعب، ويضع المدير أو المسؤول في وضع حرج. 
ورغم أن هناك متابعة متزايدة من الذين يشرفون على مهمة إثبات الحضور والانصراف، إلا انه من الصعب سيطرتهم طيلة ساعات العمل على المراقبة، حين يتزامن هذا مع سلامة وصحة الموظفين.
استيقان البصمة
وبينما تسيطر تداعيات البصمة الالكترونية على الدوائر والمؤسسات الحكومية وأثرها في إرباك العمل وتأخيره، تتزايد المخاوف من الأجهزة التي تعتمد على نظام استيقان البصمة التي تغلغلت بحياتنا اليومية بشكل كبير، مثل المصاعد وأجهزة الصراف الآلي والمصارف ومراكز الشرطة والفنادق والأبنية الأمنية وغيرها. 
فتوقف خدمات هذه الأجهزة بسبب تفشي فيروس "كورونا"، كما يقول المهندس التكنولوجي زاهر رسول، قد يؤدي إلى خسارات مالية كبيرة، فضلاً عن المتاعب الإدارية، إذ يوفر نظام "استيقان البصمة" تحسين الكفاءة وكذلك زيادة الأمن والخدمة الذاتية.
وبخلاف وجوده، يعتقد رسول، وهو الأمر الذي من المحتمل حدوثه إذا ما استمر تفشي الوباء من دون لقاح أو توقف، سيؤدي الى العودة إلى الأساليب التقليدية التي تفتقد للدقة وتستنزف الوقت والمال، فضلاً عن إمكانية خرقها بسهولة ما يعني فقدان الأمن.
 
مراقبة
اما في القطاع الخاص، يمثل الغاء العمل بالبصمة الالكترونية كإجراء وقائي للحد من تفشي الوباء، تهديداً كبيراً للعاملين في هذا القطاع، مثل المجالات المالية والمصرفية والتجارية والسياحية وشركات المقاولات والإنشاءات وغيرها. 
وتأتي هذه التهديدات- كما يقول خبير التنمية البشرية الدكتور وعد سلمان "  في ظل ما فرضه القطاع الخاص من قيود صارمة لم تأخذ بنظر الاعتبار صحة الموظف أو العامل".
ويشير الخبير إلى أن "الغاء البصمة الالكترونية ترك العامل في القطاعات الخاصة ضحية المراقبة والإنذار خلال وقت الدوام، فضلاً عن عوامل أخرى مثل استمرار دوامه اليومي بشكل كامل، واتباع نظام تسريح من يكون عمله بسيطاً."
وأثبتت الأشهر الماضية أن القطاع الخاص لا يتعامل بمرونة مع موظفيه، فهو يريد الاستمرار في العمل كي يتقاضوا رواتبهم وأجورهم، لأن توقف العمل والدوام يعني توقف استحقاقاتهم المالية، وهو ما حدث بالفعل بحسب الخبير.
 
تراجع اقتصادي
وكانت شركة "ماستركارد" الدولية المتخصصة بإجراء عمليات الشراء بين البنك المصدر للبطاقة والمشتري والبائع بالبطاقة الذكية على نطاق عالمي، أخطرت في شباط الماضي المستثمرين باحتمال تراجع مبيعاتهم ما بين (2-4٪) في ظل جائحة فيروس كورونا.
ولكن مع استمرار تفشي الفيروس سرعان ما شهدت بطاقات فيزا وماستر كارد تراجعاً حاداً في الأعمال والنفقات المرتبطة بالسفر، ما أدى لتراجع أسهمهم بنسبة 12بالمئة .
اذ يأتي هذا القلق، في وقت كانت قد حذرت فيه منظمة الصحة العالمية من التهاون في ما ينبغي اتخاذه من تدابير الصحة العامة، كملامسة الأشياء كثيرة الاستخدام في أماكن العمل، والتي قد تكون ملوثة بالفيروس وتنقل العدوى التي يقول عنها يوسف محمد، مثل القلم نفسه الذي يستخدمه الموظفون  في التوقيع لإثبات الحضور والانصراف من دون ارتداء قفازات وقائيَّة.