«كورونا» ليس الوحش الذي يحمل نبوءة القيامة

بانوراما 2020/10/19
...

  بي بي سي
أثار التفشي غير المسبوق لفيروس كورونا في جميع أنحاء العالم حالة من الرعب وعدم التصديق، أسرف معها الكثيرون في العجب من مدى "هشاشة" العالم المتقدم أمام ما فرضه على الجميع فيروس لا يُرى بالعين المجردة، وانعكس ذلك في كم هائلٍ من المنشورات التي تحذر من اقتراب النهاية، وتجتهد في النصوص الدينية للخلوص إلى أن الوباء ليس إلا علامة أخرى من علامات اقتراب يوم القيامة الذي تحدثت عنه تلك النصوص.
وربما يكفي الاحتكام لمحرك البحث، غوغل، للتأكد من أن عاصفة التنبؤات لم تقف عند حدود البلاد العربية؛ إذ راجت آلاف النبوءات التي ربطت الوباء بوشوك نهاية العالم في الدول الغربية، ولم ينج من الترويج للنبوءات، سواء المنذرة منها بوشوك نهاية العالم أو المبشرة بوشوك انتهاء الوباء، بعض نجومه، ومنهم نجمة تلفزيون الواقع، كيم كارداشيان، التي لفتت نظر الملايين لنبوءة للروحانية، سيلفيا براون، بتفشي وباء يصيب الجهاز التنفسي بحلول العام 2020، وردت في كتابها المعنون "نهاية الأيام". 
وفي مصر، التي حلت ضمن الدول الأكثر بحثاً عما إذا كان هذا الفيروس هو إحدى علامات يوم القيامة، على غوغل، استشهد البعض بحديث منسوب للنبي محمد للتأكيد على أن نهاية العالم قد
 اقتربت.
ويبدو أنَّ انتشار تداول الحديث، الذي يشير إلى كثرة عدد الوفيات الناتجة عن تفشي أحد الأوبئة كإحدى علامات قيام الساعة، قد دفع دار الإفتاء المصرية إلى الرد على مروجي هذا الزعم بالقول إنَّ "الدين لا ينظر متى تقوم الساعة وعندما غيَّب الله عنا قيام الساعة أمرنا أنْ نديم العمل لا أنْ ننتظر الساعة".
 
"الوحش الكامن"
إن كان بعض المنذرين بالقيامة قد استخدم ظاهرة تغير المناخ وما يرتبط بها من فيضانات وموجات حارة قاتلة، بوصفها "علامةً من علامات الساعة"، للترويج لفكرة ما، فالحقائق المتعلقة بالظاهرة تحمل بالفعل ما يشير إلى قيامة منطقة الشرق الأوسط كما نعرفها، وتنذر بانقلاب خارطة العالم السياسية والاقتصادية والاجتماعية في غضون عقودٍ قليلة، ما لم يتم التصدي لها بجهود عالمية ربما تفوق تلك التي لم تزل تُبذل لاحتواء وباء الكورونا.
فإذا كنتَ أحد من اعتادوا تجاهل سؤال فيسبوك، الذي يظهر أعلى حائطك الأزرق كلما دلفت إليه، حول تغير المناخ؛ فإليك بعض الحقائق التي تثبت أن الظاهرة أكثر جدارة لأنْ تكون هي الوحش الذي يحمل نبوءة النهاية وليس فيروس كورونا.
تعدُّ منطقة الشرق الأوسط الأكثر تضرراً في العالم من ظاهرة تغير المناخ، ويتوقع خبراء أمميون أنْ تؤدي موجات من الجفاف والتصحر إلى تراجع إنتاج المحاصيل الزراعية وتناقص منسوب مياه الأنهار وتزايد الصراعات على الموارد، ما ينذر بإجبار ما قد يصل لعشرة ملايين شخص في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على مغادرة مساكنهم والنزوح لأماكن أخرى في المنطقة التي تعد الأكثر تقلبا في العالم، خلال العقد القادم، بحسب تقرير للأمم المتحدة.
وترى الخبيرة الستراتيجية بمركز المناخ والأمن في واشنطن، شيري غودمان، أن تغير المناخ من شأنه أن يفاقم من الصراعات، التي تعصف بدول الشرق الأوسط، ويزيد من الاضطرابات الداخلية فيها، وتستدل غودمان بما حدث في سوريا قبيل عام 2011؛ بالقول إن دراسة أعدها المركز خلصت إلى أن موجة الجفاف التي تعرضت لها البلاد خلال الفترة بين عامي 2006 و 2011، وما تبعها من أضرار على المحاصيل والمزارعين ومربي الماشية، كانت سبباً رئيساً في هجرة نحو مليون ونصف مليون شخص إلى المدن الكبرى، حيث شكلوا حزاما سكانيا، أصبح لاحقاً أهم مناطق الثورة.
 
حروب المياه
تعد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الأكثر جفافاً على كوكب الأرض؛ إذ يسكنها نحو 6 في المئة من سكان العالم، ولكنها تحظى بأقل من 2 في المئة من إمدادات المياه المتجددة فيه، وفقًا للبنك الدولي.
وتقع 12 دولة عربية في قائمة أكثر دول العالم فقراً في موارد المياه، بينها الجزائر والبحرين والكويت والأردن وقطر والسعودية والإمارات واليمن.
ويلفت عمرو سليم، الباحث في الدراسات الإفريقية، إلى حقيقة ما قد تسببه ندرة المياه، بوصفها إحدى النتائج الأكثر تأثيراً لظاهرة تغير المناخ على منطقة الشرق الأوسط، بالإشارة إلى الصراعات العنيفة التي اندلعت بين المزارعين في اليمن بسبب انخفاض كميات المياه في الآبار الجوفية وصعوبة الحصول عليها. ويتوقع البنك الدولي أن تشهد المنطقة أكبر خسائر اقتصادية بسبب ندرة المياه المرتبطة بتغير المناخ، ويقدرها بما يتراوح بين 6 - 14 في المئة من إجمالي الناتج المحلي بحلول 2050.
 
"الشتات"
وتلفت غودمان إلى أن نحو 60 في المئة من سكان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يعيشون في مناطق شديدة الإجهاد المائي، وتؤكد أن ما يفاقم أزمة الإجهاد المائي في مصر ليس بناء أثيوبيا لسد النهضة، وإنما ارتفاع مستوى سطح البحر واحتمالية غرق مساحات شاسعة من دلتا النيل، تضم مدينة الإسكندرية التي يتجاوز تعداد سكانها خمسة ملايين شخص، ويشكل ناتجها الصناعي نحو 40 في المئة من إجمالي الناتج الصناعي المصري.
والحقيقة أن ارتفاع مستوى سطح البحر، الناجم عن ظاهرة الاحتباس الحراري، يهدد بنتائج كارثية على جميع المناطق الساحلية المنخفضة في العالم.
وترجح دراسة أجرتها الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة، العام الماضي، ارتفاع مستوى سطح البحر لأكثر من مترين؛ ما يعني أن العالم سيفقد مساحة من اليابسة تبلغ 1.79 مليون كيلومتر مربع، أي ما يعادل مساحة ليبيا كاملة.
 
"مدن أشباح"
في مؤتمرها للتغير المناخي، الذي عقد في مدريد نهاية العام الماضي، أعلنت الأمم المتحدة أن العقد الفائت هو العقد الأشد حرارة في التاريخ، وأن عام 2019، الذي شهد العديد من الكوارث الطبيعية، يسجل نهاية عقد بلغت خلاله الحرارة درجات استثنائية، تبعها ذوبان للجليد، وارتفاع قياسي لمستويات البحار في الكرة الأرضية، نتيجة لتأثيرات الغازات الدفيئة التي تنتجها الأنشطة البشرية.
وبطبيعة الحال، حصلت دول الشرق الأوسط على نصيبها من درجات الحرارة القصوى، وشهدت عدة دول في المنطقة موجات حارة غير مسبوقة، كتلك التي أودت بحياة 60 شخصاً في مصر عام 2015. ومع استمرار ارتفاع درجات الحرارة عالميا، ترتفع معدلات الرطوبة، ما يعني تعرض الملايين من الأشخاص حول العالم لخطر الإجهاد الحراري.
ويقيس العلماء درجة حرارة الوسط المحيط والرطوبة المصاحبة بمقياس يسمى "درجة حرارة المصباح الرطب"، وتبلغ أعلى درجة قد يحتملها الجسد البشري على هذا المقياس 35 درجة، إذ يعجز الجسم البشري، حال تجاوزها، عن تبريد نفسه عن طريق إفراز العرق، ما ينذر بتوقف أجهزة الجسم الحيوية عن العمل ثم الموت في غضون بضع ساع