النظريَّة والتطبيق!

الصفحة الاخيرة 2020/10/20
...

حسن العاني
لا شيء أسهل ولا أجمل من التنظير، إنه تركيبة سحرية من الكلام المنمق، وهذا ما يميزه عن التطبيق، هذا الفعل العسير المحاط بالعراقيل والمنغصات، مع كونه فن الحياة وايقاعها الحي، هل جربتم حجم التعابير الرومانسية التي همسنا بها على مسامع حبيباتنا، وتلقينا منهن مثلها أو أعذب منها قبل الوصول الى المحكمة الشرعية والعيش تحت سقف واحد، وهل سألتم أنفسكم كم بقيَّ من أحاديث الأمس ومناجاة القمر والهمسات الناعمة بعد الزواج، وكم تغير المشهد وتعكرت الصورة الى حد أن يلعن أحدنا الاخر، والآخر شريك عمر ورفيق رحلة ورهان سنوات من العذاب والانتظار والصبر الجميل، فاذا لا شيء من وشوشات الليل والعهود الكبيرة والوعود المتبادلة على الاكتفاء بكوخ من سعف النخيل على ضفة نهر، يشعُّ بالمحبة وألق العشق، لا شيء من مواثيق الامس القريب قد صمد أمام الخلافات ومتاعب الحياة، وأبسطها يقصم ظهر البعير، ليس ابتداء من وقائع الاحتياجات اليومية والمعيشية، وليس انتهاء بتباين الطباع والامزجة وتقاطع الآراء والمواقف، لقد تساقطت الأقنعة والتنظيرات والاحلام ومساحيق التجميل وأوراق التوت، فلا شيء من الرجل باخلاق الفرسان ولا شيء من المرأة بمواصفات الأميرة قد صمد امام المواجهة الحقيقية، التي كشفت المستور وسخرت من عذابات الحب!
هل جربتم كما جربت حجم الوعود، التي يذهب الظمأ من أجلها وتبتل العروق، هل رأيتم نخوات الأصدقاء والأقارب، ووضع الأيادي على الصدور والأصابع على الشوارب، وكلها تقول( آني عندك أبو فلان ولايهمك)، حتى اذا ألمت بك محنة او عصرتك ضائقة مالية، ومددت بصرك ذات اليمين وذات الشمال طالباً العون، ارتد اليك البصر بحفنة أعذار، فإذا حصادك من صدورهم وشواربهم ونخواتهم قبض ريح، وانت متيقن تمام التيقن أن من سألتهم على ميسرة، فاذا انقشعت عنك الغمة، وتجاوزت المحنة، وكنت من الذرية الصالحة الطيبة، دعوت في صلاتك وقيامك وقعودك الا يمس الضر الانسان ولا يضطر الى سؤال أخيه.
هل جربتم كم يمكن أن نتحدث عن الديمقراطية وأصلها وفصلها، ونفاخر بالانحدار من صلبها والانتماء الى حسبها ونسبها، وكم نستطيع التنظير حول الرأي والرأي الآخر، وكم نتفلسف حول حرية التعبير والتداول السلمي للسلطة، وحين تبدأ لحظة التطبيق، ونكون نحن في بحبوحة الكرسي ونعيمه وغوايته، نشتم الديمقراطية الى سابع ظهر، ونلعن حاملها وشاربها وساقيها، انها حلوة مثل ملكة جمال هولندية نتغنى بزرقة عينيها ومفاتن جسدها، فإذا دخلت بيوتنا وأصبحت ملك اليمين، بدأنا نراها أقبح من أمةٍ سوداء لانتورع عن وأدها ودفنها في أقرب مقبرة جماعية.