منسوجات صنعت من «صوف» أفضل صديق للإنسان

بانوراما 2020/10/20
...

ليزلي ايفانز أوغدين
ترجمة: ليندا أدور
قبل ثماني سنوات، تراءت الى سمع تيسا كامبل، قصة حقيقية عن كلب أشعث، ففي العام 2012، قام واين دبليو وليامز، وهو مسن من قبائل تولاليب، بالتبرع بمواد لمركز هيبولب الثقافي في واشنطن، عندما أخبر كامبل، القيّمة على متحف سميثسونيان، أن من بين المواد التي تبرع بها، بطانية مصنوعة من صوف “الكلب”. 
لم يقتنع النساجون الذين قاموا باختبار المادة بهذا، مشككين بأنها ربما صنعت من صوف ماعز الجبل، لكن الفحص بواسطة المجهر الالكتروني بجامعة فيكتوريا في كولومبيا البريطانية في العام 2019، أكد ما ذهب اليه وليامز، الذي توفي العام 2017، وهو ان البطانية، التي تعود الى العام 1850، مصنوعة من صوف الكلاب، ما أضفى مزيدا من المصداقية على القصص المحكية التي رواها السكان الأصليون في ساحل ساليش، عن تربيتهم لنوع معين من الكلاب لفترة طويلة بهدف الاستفادة من صوفها. 
 
حصاد السلمون
تضيف دراسة، نشرت مؤخراً بمجلة علم الآثار الانثروبولوجية، المزيد من الأدلة على صناعة صوف الكلاب، وجذورها القديمة، إذ يشير التحليل الذي أجري من قبل إيان ماكيكني، عالم آثار الحيوان بمعهد هاكاي، مع اثنين من المؤلفين المشاركين، الى ان البيانات التي تم جمعها على مدى 55 عاما من أكثر من 16 ألف عينة من سلالة الكلاب وشملت عموم أنحاء شمال غرب المحيط الهادئ، تشير الى أن غالبية عظام الكلبيات من 210 مواقع أثرية على ساحل المحيط الهادئ، بدءا من ولاية أوريغون وحتى ألاسكا، لم تكن لذئاب برية أو ذئاب القيوط أو ثعالب، وإنما لكلاب أليفة، بما فيها الفصيلة الصوفية الصغيرة التي احتفظوا بها لفرائها.
في الوقت الذي ترتبط به ثقافات السكان الأصليين لشمال غرب الهادئ بحصادهم التقليدي لسمك السلمون والحيتان والرنجة (من جنس السردين) والمحار، الا أن تربية الحيوانات على الأرض معروفة بشكل أقل، إذ تسلط الدراسة الضوء على تربية الحيوانات لديهم والتي لا تحظى بالاهتمام، والكلاب على وجه الخصوص، من أجل 
صوفها. 
درست سوزان كروكفورد، التي كانت ضمن المؤلفين المشاركين مع البروفيسور ماكيكني، عظام الكلاب في مواقع أثرية لعدة سنوات، بدءا من تسعينيات القرن الماضي، ولاحظت أن بقايا الكلاب الأليفة بمنطقة شمال غرب الهادئ، كانت لصنفين مختلفي الحجم، لكن هدف التمييز بين بقايا الأليفة عن أبناء عمومتها من البرية قد يبدو أمرا صعبا، وأن أغلب العينات التي ضمتها دراسات حيوانية آثارية سابقة لمناطق شمال غرب المحيط الهادئ، كانت تفتقر لتحديد هوية النوع، وفقا لمادونا موس؛ المؤلفة المشاركة من جامعة أوريغون.
 
تقوية النسيج
بالرجوع الى العديد من الدراسات السابقة، اكتشف الفريق أن كولومبيا البريطانية التي كانت فيما سبق محل اتصال السكان الأصليين بثقافات أخرى، منطقة كثيفة الانتشار للكلاب الأليفة. فعلى الساحل الجنوبي لكولومبيا البريطانية، كانت أعداد الكلاب الصغيرة ذات الفراء الصوفي تفوق أعداد كلاب الصيد الأكبر حجما، يقول البروفيسور ماكيكني: “يبدو أنها كانت جزءا مستمرا وطويل الأمد من حياة السكان الأصليين على مدى خمسة آلاف عام ماضية”، اذ لم تخضع هذه الكلاب، التي تصل الى مستوى ركبة الانسان، الى التمشيط كالكلاب الحديثة، وإنما يتم جزها مثل 
الأغنام.
تفسر المجلة، ما ورد في مراسلات شركة خليج هدسون لتجارة الفراء بقرية فورت لانجلي في كولومبيا البريطانية، أوائل القرن التاسع عشر، التي وصفت خلالها قوارب لأشخاص من قبيلة كاويشان وهي مليئة بكلاب تشبه الى حد كبير أغنام شيفيوت وقد جز صوفها.
عُرف عن أفراد قبيلة كاويشان من جزيرة فانكوفر، حتى اليوم، صناعتهم للنسيج، تقول ليديا هويتسم، رئيسة بلدية سابقة لكويشان، بأنها “تعلمت النسج التقليدي من والدتها التي روت لابنتها بأن صوف الكلب تم إدخاله تأريخيا الى صناعة الغزل “لتقوية خيوط النسيج”. لكن مع قدوم الاستعمار، جاءت معه المنسوجات المستوردة، رافقها تراجع الطلب على صوف الكلاب البيضاء الصغيرة، ما أدى الى تراجع أعدادها ويعتقد أن حتى سلالتها لم تعد موجودة”. منذ فترة طويلة، فقدت كل المعلومات الشاملة والمفصلة عن صناعة صوف الكلاب، لكن مجموعة متزايدة من الأدلة العلمية تشير الى أن استخدامه كان شائعاً في السابق.
 
سلالات صوفية
أجرت كارولين سولازو، الباحثة لدى متحف مؤسسة سميثسونيان، اختبارات على 11 بطانية قديمة من ساحل ساليش، بحثا عن بصمات لشعر الكلاب، وقد عثرت عليها ضمن سبعة من العينات المختبرة، وان من بين 47 بطانية خضعت للتحليل المجهري بجامعة فيكتوريا، احتوت جميعها، باستثناء ثلاث منها فقط، على صوف الكلاب. 
بعد عشر سنوات من العمل المتواصل من خلال جمع البيانات المستقاة من أكوام عظام الكلاب، يقول البروفيسور ماكيكني، بأن فريقه عثر على دليل عن العلاقة الوثيقة بين مجتمع السكان الأصليين الساحلي والكلاب المحلية، مسلطا الضوء على صناعة الأزياء التي تعود الى خمسة آلاف سنة والتي كانت تعتمد على السلالات الصوفية لأفضل صديق للإنسان.
تقول كارلي أمين، عالمة الآثار البيولوجية ومتخصصة في الكلاب، من جامعة إكستر في انكلترا، ان التعريفات الجديدة للعظام القديمة “قد يصعب التحقق منها بشكل موضوعي”، مضيفة ان الدراسة تقدم فرصة جيدة للتنقيب في الجبال عن بيانات لكلاب قد كانت موجودة بالفعل.
بالعودة الى تولاليب، فإن اكتشاف السيدة كامبل لقصة البطانية هذه، قد أسهم في تنشيط رحلة مجتمعها ككل لإعادة إحياء حياكة النسيج لدى مجتمع ساحل ساليش، وفي ما يتعلق بقصة تربية الكلاب من أجل الصوف غير العادية، فهي قصة لا تزال في طور حل الخيوط.