الحكاية المدهشة للساري الهندي التقليدي المبهر

بانوراما 2020/10/21
...

  شارو سوري
ترجمة: شيماء ميران
 
كلمة (ساري) تعني باللغة السنسكريتية (شريط من القماش)، وتعد هذه المساحات من القماش اكثر من كونها مجرد ملابس بالنسبة للنساء الهنديات وبعض الرجال الذين يلفون انفسهم بالحرير او القطن او الكتان منذ الآف السنين. فإنها ترمز الى الفخر الوطني وسفراء للتصميم التقليدي المتطور والمُتقن، والنموذج الاساسي للاختلافات الواسعة في عموم ولايات الهند البالغة 29 ولاية. 
« ريتا كابور تشيشتي» مؤرخة الساري الهندي والباحثة بالنسيج من مدينة دلهي، مؤلفة كتاب (التقاليد وما بعدهاTradition and Beyond» «) ومؤسسة شركة نسيج (تانبان) المختصة بالغزل والنسيج الهندي القديم، تقول: «شغلَ الساري كرمز مخيلة شبه القارة الهندية بجاذبيته وقدرته على إخفاء وكشف شخصية من
 يرتديه».
ذُكر الساري لاول مرة في(  Rig Veda  ريجفيدا) وهو كتاب ترانيم هندوسي يعود الى الألف الثالث قبل الميلاد، تظهر فيه الملابس وهي تكسو تماثيل من القرن الاول الى السادس، ويكون الثوب السحري غير المخيط حسب وصف (تشيشتي) ملائما جدا للمناخ الهندي الحار وحشمة المجتمعين الهندوسي والمسلم، ولا يزال موروثا لنساء دول جنوب اسيا الاخرى كالباكستان وبنغلاديش والنيبال.
لا تزال الهند أحد آخر ثقافات الحرف اليدوية العظيمة، ومركزا للصباغة والطباعة ونسج الحرير، وجميعها تُمثل أحد انواع الساري الثلاثين المختلفة. ففي مدينة بيناريس الواقعة على ضفاف نهر الغانج ينحني النسّاجون على انوال خشبية قديمة لصنع حرير (البناراسي  Banarasi). 
المتميز بلونه الاحمر البراق والمزين بخيوط زاري المعدنية وتقدره العرائس، أما ولاية كيرلا الاستوائية فتعكس مجموعة ساري(موندو) البيضاء الطراز الشائع قبل القرن التاسع عشر، وهي غنّية بأصباغ الأنيلين البرّاقة لتلون شبه القارة الهندية اليوم، ويتماوج ساري (البلوشار) في ولاية بنغال الغربية بتقليمات مستوحاة من تصاميم عُثر عليها على الجدران الطينية لمعابد المنطقة. يقول الرئيس التنفيذي لوكالة بيت الحرير الهندي على الانترنت(دارشان دودوريا): «كل ساري له قصة عن المجتمع والناس من
 حوله».
 
طرق ارتداء مختلفة
مع ذلك فالعولمة والمنافسة على بضائع ارخص جعلت الساري المنسوج آلياً منتشرا خلال العقود الاخيرة، فقد شُحنت الكثير من النماذج المقلدة بشكل سيئ للزي التقليدي من الصين، ما جعل أسر النسّاجين القدماء تجد نفسها عاطلة عن العمل، وباتت أنوالهم بلا فائدة.
ولا تزال بعض النساء وخصوصا في المناطق الريفية يلُفنَّ انفسهنَّ ويطوينَّ أطوالا من الاقمشة القطنية او الكتان وغيرها لممارسة اعمالهن اليومية، تقول كريستين ماكنايت سيثي؛ خبيرة النسيج لجنوب اسيا واستاذة تاريخ الفن في كلية كوركوران للفنون: كثيرا ما ترى النساء الاكبر سنا والخالات والجدات في بعض المناطق يرتدينَّ الساري طوال الوقت». وتشير الى ان الشابات قد يختارن الملابس الغربية او السلوار (قميص وبنطال طويلين) لمعظم الايام. 
أما الساري المتوهج فهو للاعراس والمناسبات، فالمنسوجات طقس رمزي بالنسبة للشابات الهندوسيات، إذ يرتدين الساري الطويل او القصير لحفل مراسم بلوغ سن الرشد (ريتو كالا سامسكارا)، كما اُستخدم هذا الزي كدعم
 سياسي.
وبحسب تشيشتي فهناك مئة طريقة تقريبا للف الساري وتعتمد على المنطقة والقماش وأبعاد الزي وما سيفعله المرتدي في ذلك اليوم، وصورت سلسلة فيديوهات لعرض عشرات الطرق، وتقول: «يريد جيل الشباب ان يكون قادرا على تجربته وارتدائه بطرق مختلفة».
ومن اساليب لبس الساري، هناك ثنية «نيفي (Nivi) واسعة الانتشار وتتمثل بطيّه ولفّه حول الخصر مع نهاية الثوب؛ منمقة وملقاة فوق الكتف الايسر، وثنية «دارامبور» (Dharampur) الريفية وهي تحويل ذكي لمربع طويل من القماش الى سروال بطول الركبة، معظم طرق لبس الساري تحتاج الى «كولي» (choli)  وهو نصف بلوزة علوية قصيرة تساعد على تثبيت كل القماش الملفوف، وبعض الطيات تحتاج لإمساكها بغرز أو دبابيس، وبعضها الاخر سائب بدرجة أكبر كأنه نسيج الاوريغامي (مثنية على الجسم).
 
قطعة فريدة
اتخذت ازياء الساري طريقها عبر معظم انحاء الهند، كقوس قزح على أجساد النساء في طرقات مومباي، وبطلات افلام بوليوود، أو تُزين عدة أجيال لأسر ولاية راجستان.
ينجذب السائحون لتوهج وميثولوجيا الساري، ما يدفعهم لشرائه، وبعكس الازياء التقليدية لبعض الثقافات، ليس الساري حكرا على أشخاص من جنسية معينة أو مجموعة معتقدات، تقول تشيشتي: «لا أظن إنه يقلل من احترام الغربيين عند ارتدائه، فهو شرف كبير». مضيفة انه لا بأس بخياطة زي متلألئ او عرضه على الحائط كقطعة
 فنية.
ويبحث السائحون والسكان المحليون واصحاب حفلات الزفاف عن الساري بين المحال المتجاورة في أزقة مدينة جودبور او شارع مومباي المزدحم. كما ستجدها في افخم واغلى المتاجر مثل «إيكايا بيناراس» في دلهي المعروف بحريره المصنوع يدويا ودعمه لاكثر من ثمانية الآف نسّاج من باناراس، أو متجر نالي بمدينة تشيناي الذي اُفتتح عام 1928 ويشغل طابقين من مبنى «آرت ديكو» بمنطقة تي
 ناجار.
ويجد مستعرضو الساري انفسهم غارقين وسط اكوام الاقمشة الملونة المطوية بعناية من الحرير والقطن والشيفون، ويمكن الحصول عليه من بائع الشارع مقابل 20 دولارا، أو يصل الى 10 الاف دولار لجمال البناراسي. تقول سيثي: « عادة ما تكون شراء الساري عملية طويلة، فهذا القماش تختاره من محل، وتختار بلوزة مناسبة من مكان اخر، وتشتري الثوب النسائي من متجر
 اخر».
انه تنّقل معقد عبر المتاجر والخياطين للفوز بالساري، فهو ليس قطعة ملابس ترتديها بسرعة. تقول سيثي: «انه قطعة قماش أصبحت فريدة من نوعها، وهناك الكثير من الاختلافات، فالساري مهم جدا وبالتأكيد جدير بالاحتفاء».