لماذا يخترعُ الأطفال أصدقاءً خياليين؟

اسرة ومجتمع 2020/10/23
...

  آلي فوليبي
 ترجمة: مي اسماعيل     
روت «ساشا» ذات العشر سنوات لوالدتها مغامرات صديقيها الخياليين: اثنين من الاخطبوطات العملاقة؛ وهي تحاول إدامة العلاقة الوديَّة بينهما. وهذا جعل الأم «اسبينوزا» (39 سنة) تشعر بالحيرة! بات الحديث عن مغامرات الاخطبوطين أمراً مألوفاً في منزل الأسرة؛ ورغم أنهما «يعيشان» مع ساشا وأختها ووالدتها؛ لكنها الوحيدة التي كانت تستطيع رؤيتهما؛ فهما (حسب وصف ساشا).. «مخلوقان خياليان». 
وتضم مجموعة ساشا من الأصدقاء الخياليين أيضا- غزال رنة وفقمة وحشرة «بق» تقاوم انتشار الملاريا! 
تقول أسبينوزا إنَّ الاخطبوط كان 
أول القادمين الى دائرة أصدقاء ابنتها عندما كانت في السادسة من عمرها؛ بعدما 
رأت ظلال الأشجار على جدار غرفتها ذات ليلة. وتطورت شخصيته عبر السنوات، ليصير رفيقاً هادئاً أعطى لساشا (التي تعاني الصداع النصفي المزمن) ملاذاً عاطفياً وراحة 
نفسيَّة. 
وتمضي قائلة: «تحب ساشا رواية القصص؛ وهي أحد أساليبها لمواجهة الألم». 
أصبح الأصدقاء الخياليون مصدر رفقة لساشا، التي تتلقى تعليمها منزلياً وتجد صعوبة في التعامل مع أطفال آخرين لإصابتها بمرض التوحد. 
وعنهم تقول: «يساعدني أصدقائي حينما لا أشعر أنني بخير، ويتحدثون معي وأنا وحيدة أو لا ترغب أختي باللعب معي، ويرحلون معي الى الفضاء..». 
لا موجب للقلق
اختراع الأصدقاء الخياليين أمرٌ مألوفٌ (وطبيعيٌّ أحياناً) لدى العديد من الأطفال أثناء مراحل التطور الفكري والعاطفي، وتشير الدراسات الى أنَّ نحو 65 بالمئة من الأطفال في سن السابعة يبتكرون أصدقاءً خياليين. وترى «ستيفاني كارلسون» الأستاذة بمؤسسة تطور الأطفال بجامعة مينيسوتا أنَّ الوقت المعتاد لاختراع الأصدقاء الخياليين هو بين سن الثالثة والإحدى عشر سنة. ورغم أنَّ الأطباء النفسيين يتفقون أنَّ وجود الأصدقاء الخياليين لا يجب أنْ يكون مصدر قلق للأهل؛ لكنَّ الفهم الدقيق للدوافع التي تجعل بعض الأطفال دون غيرهم يخلقون مثل أولئك الأصدقاء ما زال أمراً قيد الدراسة.
تقول «سليستي كيد» أستاذة علوم النفس بجامعة بيركلي- كاليفورنيا: «لا توجد إحصائيات موسعة لأسباب ابتكار الأصدقاء الخياليين؛ لكنَّ هناك إجماعاً موسعاً أنه جزءٌ طبيعيٌّ من التطور النفسي للطفل. لا يختلق جميع الأطفال أصدقاءً خياليين؛ لكنه أمرٌ شائعٌ لا يدل على مشكلات سلوكيَّة ولا ذكاء خارق».
يعدُّ اختلاق الأصدقاء الخياليين علامة على تطور الذكاء الاجتماعي لدى الأطفال، ولكي يحلم الأطفال بنظراء لهم عليهم أنْ يفهموا أنَّ الناس يمتلكون معتقدات ورغبات ويفصحون عن تصرفات تختلف عما يمتلكون هم؛ وهذا مبدأ يسمى «نظرية الذهن»، كما تقول كيد: «أنْ يفهم الطفل أنَّ الآخرين قد يريدون شيئاً مختلفاً عما يريد أو يعرفون شيئاً لا يعرفه هو أمر لا يبدأ بالظهور حتى سن الرابعة أو الخامسة».
حاولت بعض الدراسات التغلغل في سايكولوجيَّة الطفل وتعامله مع الأصدقاء الخياليين؛ واقترحت إحداها أنَّ العلاقة بالكائنات غير المرئية تُشبع حاجة الطفل للصداقة، وهي أكثر شيوعاً لدى الطفل الأول أو وحيد أبويه. كما كشفت الدراسة أنَّ البنات أكثر احتمالاً لخلق أصدقاء خياليين من الأولاد، وأنَّ الطفل ذا الأصدقاء الخياليين يكبر ليكون شخصاً أكثر إبداعاً من غيره. أما كارلسون فلاحظت في دراساتها أنَّ البنات الصغيرات يتخذن غالباً دور الرعاية أو التعليم تجاه أصدقائهن الخياليين، الذين يكونون عادة أطفالاً أو حيوانات صغيرة. أما أصدقاء الأولاد الخياليين فهم عادة شخصيات أكثر كفاءة منهم؛ مثل الأبطال الخارقين أو ذوي القوى المتميزة.
 
رفقة طيبة
 تقول كارلسون إنَّ الأصدقاء الخياليين يساعدون الاطفال لتحقيق ثلاث حاجات نفسية اساسية (حسب نظرية تكوين الذات)، هي: الكفاءة والانتماء والاستقلالية. يشعر الاطفال بالكفاءة حينما يتخذون دورا قياديا مع رفاقهم الخياليين، ويصفون أحيانا اولئك الرفاق بالغباء واضطرارهم لتعليهم بعض المهارات. ورغم أنهم من نسج الخيال؛ يتعلق الاطفال بالاصدقاء الخياليين بالطريقة ذاتها التي يتعلقون بها بالاصدقاء الحقيقيين؛ رغم أنهم يشكلون اصدقاءهم المختلقين بصورة تسمح لهم بمحاكاة الاوضاع الاجتماعية دون أي تبعات (كما ترى كيد). يُسهّل الصديق الخيالي للطفل الاستقلالية حينما يستخدم وجوده للسيطرة على موقف ما؛ كأن يطالب باعطائه حصة من الطعام أو مقعداً في السيارة؛ وهو ما تحلله كارلسون قائلة: «يعطي الأصدقاء الخياليون للطفل إحساساً بالسيطرة؛ فهو من يبتكرهم ويؤلف القصص عنهم، ولا يتدخل الآخرون في مسار علاقتهم؛ وهو أمرٌ يحتفظون به لأنفسهم بالكامل. قد يكون من المفيد الحصول على الإحساس بالتحكم بالأمور؛ لكنه أمر صعب ومحبط للأهل». يمكن لبعض الرفقة «الخيالية» أنْ تعلم الاطفال أكثر من مجرد التظاهر باللعب؛ فالعديد من نواحي حياة الطفل (من الشخصيات الخيالية الى التجارب الحقيقية) تتسلل غالباً الى الألعاب، وتشمل غالباً الصداقة الخيالية. تقول كيد: «انه الوعي والادراك لما يدور حولهم، وقد يتضمن فقرات مما يذاع في نشرات الاخبار وما يقع في حياتهم هم». يمكن أنْ يشكل التقاطع بين حياة الاصدقاء الخياليين وبين العالم الحقيقي فرصاً لكشف دروس حياتية، ويعطي للطفل فسحة لمواجهة موضوعات حساسة. قال «آري» (سبع سنوات) إنَّ صديقه الخيالي «دافين» مستاءٌ من والده لأنه يدخن! ولأنَّ «ترودو» والدة آري متأكدة أن ليس في حياة ولدها شخص مدخن؛ فقد شعرت بالحيرة؛ لكنها انتهزت الفرصة لتشرح للطفل مضار التدخين، شاكرة دافين على تلك المبادرة! ولذا قد يصعب على الأهل تصور اليوم الذي يفارق فيه أولادهم «الاصدقاء الخياليين»؛ الذين شغلوا جزءاً من حياتهم لفترة طويلة. 
 
موقع «ذا أتلانتك»