قشلة كركوك ..أصالةٌ تاريخيَّة تشكو الإهمال

ريبورتاج 2020/10/24
...

  نهضة علي 
 
عند الوهلة الاولى لدخولك دائرة الآثار الواقعة في قشلة كركوك التراثية مقابل شارع المحاكم، والمحاذية لشارع مقهى المجيدية بسورها الخارجي، تشعر بعبق الماضي والأصالة التأريخية لمدينة كركوك، لما تحتويه من شواخص ومعالم أثرية عديدة لم تمحها السنوات، فبحسب ما كتبه المؤرخون، فإن معنى كلمة قشلة يعني المكان الذي يمكث فيه الجنود بالشتاء، وهي تعني المشتى أي المكان الذي يقي الإنسان من تقلّبات الجو.
 قيل انها خصّصت لاقامة الجنود وقت السلم، أي ما معناه الثكنة العسكرية أو المعسكر كما يطلق عليه، يواجه المار اليها عبر بوابتها الرئيسة القوسية، نقوشاً محتها ذاكرة الزمن لتطل على ممر متصل ببنائها ذي الطابقين، وعند انتهائه يكون مقر دائرة آثار كركوك وقسم السياحة.
 
تأريخ القشلة
المختص في المواقع الأثرية الكركوكلية اياد طارق تحدث لـ "الصباح" عن تاريخ القشلة قائلاً: "بنيت القشلة في العام 1863 من قبل والي بغداد نامق باشا على مساحة ستة دوانم وسط مدينة كركوك، لتكون مبيتاً للجنود أثناء الشتاء، وتمثل قيمة معمارية نادرة بنيت من الحجر والجص بمعمار تراثي على شكل حرف U بالانكليزية، محاطة بجدار عالٍ، وتتكون من ايوانين تتوسطهما بوابة الدخول الرئيسة الى رواق طويل، وكانت بخمسة ابواب اختزلت الى بابين مع مرور السنوات، ويسميان باب المشاة وباب الخيالة، وتضم العديد من الغرف والقاعات، وفي مقدمة الغرف في الطابقين اقواس دائرية قائمة على اعمدة حجرية بنيت بمتانة، وكان يتوسطها جامع انتهى مع مرور الزمن، فقد تم هدم الجزء الشمالي منها من قبل النظام المباد، اضافة الى تهالك بنائها، كونها استخدمت موقعاً للفرقة الثانية للجيش وموقع كركوك العسكري".
وبين طارق "انها تتكون من طابقين، وبنيت بطرق عمرانية، وتمت صيانة الجزء الغربي منها سنة 1987، والذي هدم جزء منه قبل عامين بسبب تساقط الامطار، فقد اجريت صيانة ايضاً للجناح الجنوبي في العام 2006 بعد تخصيص مبلغ من قبل حكومة كركوك المحلية، شملت قاعاته واعمدته".
 
متحف فولكلوري
مدير دائرة الآثار في كركوك رائد العبيدي قال لـ "الصباح" ان " ما تبقى من القشلة ضلعان، احدهما تعرض الى الانهيار بسبب عوامل التعرية والأمطار، ويوجد في الضلع المتبقي متحف فولكلوري يضم مجموعة من التماثيل والادوات التي تعكس العادات والتقاليد لاهالي مدينة كركوك، والتعايش السلمي وثقافة القوميات، اذ اضيفت على قاعتي المعروضات لمسات لخلق اجواء تراثية، ويضم اماكن قديمة اعدت من قبل مختصين تراثيين، ونصبت تماثيلها واكملت ملحقاتها".
 مبيناً "ان المعروضات هي حمام السوق سابقاً وتحضيرات العرس، ومقهى او جاي خانة، وطهور الاولاد ومعلم القراءة والكتابة قديما (الملة)، وحرف مثل السراج، والخياط والرواف والنداف والنسيج والغزل والحياكة، ومحال بيع الديدية (سرير الطفل المولود حديثا) ، والفافونجي والبراد، والازياء التراثية الكركوكلية، وماتشتهر به كركوك من عادات القدماء فيها، فضلا عن صور وملابس ومقتنيات وموجز عن حياة الشخصيات المؤثرة عبر التأريخ، من المثقفين والمؤلفين والادباء وغيرهم، اذ كان يستقبل زائرين من طلبة الدراسات ومن الجامعات والمدارس اثناء الموسم الدراسي، لاطلاع الطلبة على ثقافة وعادات القوميات المتآلفة في المحافظة، واستخدمت قاعاته لفترة قصيرة مكاناً لعرض الكتب وللملتقيات الثقافية الا انها توقفت حالياً".
 
ترميم وصيانة
العبيدي بين "بان دائرته تطالب الجهات المختصة باعادة ترميم القشلة بذات المواد والهيكلية السابقة، باستخدام مواد انشائية حديثة، كونها بحاجة الى الصيانة، وذلك للحفاظ عليها من التهالك مع مرور الزمن".
موضحاً "ان دائرته وعبر مفاتحتها لاستحصال الموافقات، تروم ترميم القشلة لافساح المجال  لافتتاح المتحف الحضاري بعد إكمال متطلباته، لانه عند اجراء عمليات التنقيب يتم تسليم الآثار والمقتنيات الى بغداد لخزنها".
ونوه بأن "دائرته بصدد استحصال الموافقات لضم القشلة الى لائحة التراث العالمي مع قلعة كركوك الاثرية بعد رفع كتب ومفاتحات الى الوزارة، وذلك بعد الاهتمام بها، خاصة ان الانهيار الذي تعرض له احد الاضلع بتاريخ 7/2/2016 نتيجة الامطار، لم يتم ترميمه او اجراء عملية صيانة حديثة، ولاتزال بقايا الحجر مرمية اسفل البناء".
مشيراً الى أن "المختصين في دائرته اولوا اهتماماً خاصاً للحفاظ على عدم انهيار اجزاء منه، وعدم التقرب  منه للحفاظ على الاماكن الاثارية".