ماذا يحدث عندما تعتل صحة الرئيس الأميركي؟

بانوراما 2020/10/26
...

  تيموثي نافتالي/ عن مجلة "فورن بولسي" 

  ترجمة: أنيس الصفار

ألقى التشخيص الذي أكد اصابة الرئيس "دونالد ترامب" والسيدة الأولى "ميلانيا ترامب" بفيروس كورونا الولايات المتحدة في لجة واقع جديد محفوف بالمحاذير. لقد سبق ان مرض رؤساء وزوجاتهم في الماضي، مثل الرئيس "جورج إتش دبليو بوش" وزوجته "باربارا بوش" والرئيس "رونالد ريغان" وزوجته "نانسي ريغان"، بيد أن هذه هي المرة الأولى التي يمرض فيها الرئيس وزوجته معاً في الوقت نفسه، ولهذا الأمر خطورته. تشاء الاقدار ان يحدث هذا في الشهر الأخير من حملة انتخابات رئاسية يحتدم فيها التنافس لتزداد الأمور نذراً وتعقيداً.

بالرجوع الى الماضي يمكننا الجزم بأن الحقيقة الكاملة عن واقع صحة الرئيس سوف تبقى سراً متحفظاً عليه، فمعظم الادارات الحديثة التي حلت في البيت الأبيض كانت شديدة التكتم على المعلومات المتعلقة بصحة الرئيس. ففي نيسان 1919 كتم اطباء البيت الابيض انباء اصابة الرئيس "وودرو ولسون" بمرض الانفلونزا رغم ارتفاع حرارته الى 40 درجة مئوية طيلة أيام أربعة، وكذلك الجلطة الدماغية الخفيفة التي أعقبتها في وقت لاحق من ذلك الشهر ثم الجلطة الأشد التي أقعدته في شهر تشرين الثاني، أخفوا الأمر وراء عباءة من الاكاذيب بالاعتماد على فريق من المساعدين وتولت السيدة الأولى "إيديث ولسون" زمام الأمور من خلف الكواليس 
طيلة 17 شهراً.
حالة الرئيس ولسون لم تكن استثناء رغم تطرفها. ففي آذار 1944، وقبل سبعة أشهر فقط من موعد الانتخابات في تلك السنة، خلص أطباء الرئيس "فرانكلين روزفلت" الى انه يعاني من قصور القلب الاحتقاني الحاد وباشروا اعطاءه حامض البربيتوريك المسكن لتقليل التوتر لديه لكنهم لم يصارحوه أبداً أو يصارحوا الأمة بمدى شدة عجزه، الأمر الذي سمح له بالسعي الى دورة رئاسية رابعة لا سابق لها في التاريخ والفوز بها. 
إلا ان ذلك كله لم يجدِ الرئيس روزفلت في نهاية المطاف، إذ توفي وهو في منصبه بعد ثلاثة أشهر فقط من تنصيبه.
تحسنت الأمور بعض الشيء في زمن الرئيس "دوايت آيزنهاور" حين عانى من ازمة قلبية خطيرة وانسداد في الامعاء الدقيقة خلال دورته الأولى ومن جلطة دماغية خفيفة خلال دورته الثانية. في هذه المرة لم يخفِ الاطباء شدة الازمة القلبية التي ألمت بالرئيس (ولو انهم هونوا من شأن الجلطة الدماغية). 
ولكن هذه الشفافية لم تدم طويلاً، ففي عهد ادارة الرئيس "جون كنيدي" لم يعلن الاطباء للملأ شدة "مرض أديسون" الذي يعاني منه الرئيس (وهو مرض يهدد الحياة في حالات التوتر) كما لم يكشفوا عن تشكيلة الستيرويدات والعقاقير المخدرة التي كان يتعاطاها كعلاج.
مع انبثاق فجر العصر النووي في 1947 بدأت الحكومة الأميركية بصياغة بروتوكولات خاصة لضمان استمرار الحكومة في العمل عند وقوع هجوم نووي، ولكن احتمالات عدم الأمانة في ما يتعلق بصحة القائد العام للقوات المسلحة بقيت مشكلة عصية. سوء التعاطي الذي حصل في حالتي آيزنهاور واغتيال كنيدي أدى الى تبني التعديل 25 لدستور الولايات المتحدة في شباط 1967، علاوة على تمرير تعديل دستوري ينص على جعل نائب الرئيس رئيساً فعلياً في حالة وفاة الرئيس (أي انه لن يكون رئيساً تنفيذياً فقط). 
طرح الإجراء لأول مرة كوسيلة تمكّن الرئيس، اذا ما اعتلت صحته، ان ينقل سلطاته طوعياً الى نائب الرئيس. 
وكتحسب لاحتمال ألا يصدق الرئيس واطباؤه بشأن طبيعة علته أو مرضه طرح التعديل أيضاً، وبشكل محدد، نظاماً معقداً يلزم الرئيس بنقل سلطاته الزاماً ل
ا طوعياً. 
فمتى ما أبلغ نائب الرئيس، مؤيداً باغلبية اعضاء الكابينة الوزارية، الكونغرس تحريرياً ان الرئيس لم يعد يمتلك القدرة لأداء واجباته فإن التعديل ينص بشكل محدد على تحول نائب الرئيس الى رئيس مكلف. ولكن إذا استطاع الرئيس بعد ذلك ان يعترض على قرار كابينته فسوف ينتقل الأمر عندئذ الى الكونغرس الذي يجب عليه اتخاذ قرار بأغلبية ثلثي 
الأصوات.
استخدم النظام الطوعي، ضمن التعديل 25، ثلاث مرات لحد الآن. ففي العام 1985 نقل الرئيس ريغان سلطاته الى نائب الرئيس "جورج أتش دبليو بوش" اثناء خضوعه لعملية جراحية لإزالة ورم خبيث من القولون. في العام 2002 ومن بعده في العام 2007 نقل الرئيس "جورج دبليو بوش" سلطاته لفترة قصيرة الى نائب الرئيس "ديك تشيني" اثناء خضوعه لعمليتي تنظير القولون. اما النظام الإلزامي اللاطوعي فلم يستخدم حتى 
الآن.
لم تواجه الولايات المتحدة منذ 1944 حالة واقعية يصاب فيها الرئيس بعلة مقعدة وهو في خضم المرحلة الانتخابية، ولكن انظمة الحزب الجمهوري تسمح للحزب باستبدال ترامب كمرشح عنه في حالة الوفاة أو الاصابة بعلة جدية مقعدة رغم انطلاق العملية الانتخابية. 
الاحتمال المرجح، ولو أنه ليس حتماً تلقائياً، هو ان يستقر خيار الحزب على نائب الرئيس "مايك بنس". اما إذا عاد المرض واشتد على الرئيس بعد يوم 3 تشرين الثاني فإن التعديل 20 يطرح ارشادات محددة لم توضع قيد الاختبار التطبيقي حتى اليوم بشأن ما ينبغي عمله آنذاك.
إذا ما فاز ترامب ثم وافاه الأجل قبل التنصيب فإن بنس، نائب الرئيس المنتخب، سوف يصبح هو الرئيس. وإذا ما نجح ترامب في حصد اغلبية الاصوات في تشرين الثاني ثم توفي قبل توجه اعضاء "المجمع الانتخابي" للتصويت في شهر كانون الأول فسوف يحاول الحزب الجمهوري حث الناخبين الموالين لترامب على التصويت لصالح بنس، او ترك الخيار للكونغرس. في حالة وفاة ترامب بعد تصويت "المجمع الانتخابي"، ولكن قبل احصاء الكونغرس للاصوات والاعلان رسمياً عن الفائز في 6 كانون الثاني، فإن بنس سيصبح رئيساً مكلفاً في 20 كانون الثاني، ويبقى محتفظاً بهذا المنصب لحين اختيار الكونغرس رئيساً جديداً. 
اما في حالة اصابة الرئيس المنتخب بالعجز فقط فإنّ أيّا من التعديلين 20 و25 لا يقدمان مساراً توجيهياً لما يمكن ان يحدث من بعد ذلك.
للتخفف من هذه الحيرة الكبيرة ينبغي احاطة الأميركيين اولاً بأول بوضع ترامب الصحي. قد لا يرحب الرئيس نفسه بذلك ولكن اي محاولة للالتفاف على الحقيقة الان ستجعل من الصعب لاحقاً تصديق اية اخبار إيجابية بخصوص تعافي 
الرئيس. 
حالات مرض الرؤساء طالما وضعت نوابهم في موقف محرج، ولكن دخول المرحلة الانتخابية اليوم يزيد الوضع تعقيداً، فالبلد بحاجة ملحّة للشعور بوجود قيادة ثابتة، كما أن الحلفاء والخصوم معاً يحتاجون الى اشارات واضحة تنبئهم بأن الحكومة الأميركية مستمرة في العمل بغض النظر عن صحة الرئيس.
أفضل الحلول طبعاً هو ان يتعافى الرئيس وزوجته بسرعة، لأن أي نتيجة عدا هذه لن تزيد مشاعر الغضب والهلع وعدم الثقة التي بدأت تستحوذ منذ الان على كثير من الأميركيين بشأن انتخابات تشرين الثاني ومستقبل البلد إلا عمقاً. 
اما إذا طالت فترة مرض الرئيس او انتهى الى العجز فسوف ينبغي عليه الاعتراف، لأول مرة منذ 2016، بأنه لا يقوى على ادارة الحكم وحده ثم يتخلى عن السلطة (ولو مؤقتاً) لنائبه بنس. لم يسبق لمرشح رئاسة من قبل، ناهيك عن رئيس في المنصب وساع لإعادة انتخابه، ان واجه مثل هذه المعضلة وكل ما نأمله ان يثبت ترامب أنه أهل 
للتحدي.