الصيد والهجرة.. يهددان الطيور في العراق

ريبورتاج 2020/10/28
...

  محمد عجيل 
يشتهر العراق بوجود أصناف مميزة من الطيور البرية والنهرية، ما دفع الكثيرين من خارج البلد وداخله الى مسك البندقية لاصطيادها، غير آبهين بعواقب افعالهم على التنوع البيئي، في ظل غياب المحاسبة القانونية التي تحد من عمليات الصيد الجائر، وتضع اسلوباً صحيحاً لنشاط الصيادين، اذ تشير الإحصائيات الى أنه في صيف العام الماضي تكبدت البيئة العراقية خسائر تقدر بثمانين الف طير من الحباري والدراج في المناطق المحصورة في وسط وجنوب العراق، عن طريق أساليب صيد لم تخضع للمعايير المتعارف عليها، ومنها عدم صيد صغار الطيور او التوقف عن صيدها اثناء التكاثر.

عقوبات ولكن؟
ولإيضاح الصورة نعرض بعض بنود قانون رقم ١٧ لسنة ٢٠١٠ الذي شرعه مجلس النواب العراقي، والذي يهدف الى تنظيم عمليات الصيد وحماية الطيور البرية، ومن ضمنها عدم استخدام وسائل الإبادة الجماعية للطيور، من خلال السموم والفخاخ والمصائد الحديدية والبنادق التي يقل طول اطلاقها (السبطانة)عن ٤٠٠ملم، كما اكد القانون عدم صيد الطيور المحرم صيدها او استهداف بيوضها، وشدد القانون عقوبة التجاوز على فقراته بالحبس لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات، وبغرامة تقدر بثلاثة ملايين دينار.
 
70 ألفاً سنوياً
يقول مازن عبد الحر من جمعية الصيادين العراقية: "إنَّ الصيد الجائر من أهم المشكلات التي تعترض عمليات التكاثرعند أصناف من الطيور، خاصة تلك التي تدخل في غذاء الانسان، مثل الدراج وتقدر الاعداد التي يتم صيدها من هذا الطير سنوياً بسبعين ألفاً، موزعة بين محافظات بابل والنجف والديوانية والكوت وميسان وذي قار، ولم تفلح جميع محاولاتنا لإيقاف هذا التجاوز، رغم حملات التوعية وندوات الإرشاد التي تعقدها الجمعية سنوياً مع هواة الصيد".
واكد أنَّ "غياب تطبيق القانون المشرع من قبل الهيئات التشريعية، اسهم بشكل فاعل بالتمادي من قبل الكثيرين، الذين لا يدركون خطورة الصيد الجائر على التوازن البيئي، ما دفعنا الى فتح حوار مع وزارة الداخلية من اجل تفعيل القانون الذي ينظم عمليات الصيد، ويحد من ظاهرة التجاوزات التي تشهدها الصحارى، ومناطق الاهوار وحقول الحنطة والشعير وهي مناطق تكاثر مختلف الطيور".
وفي تصريحات عدت مستهجنة من قبل الكثيرين قال احد الصيادين "ان الطيور التي نصطادها، لا تعود لاحد وغير مملوكة لجهة ما، ولا يحق لاي مخلوق محاسبتنا عليها".
 
هجرة
يقول المهندس الزراعي حسين الحسان، المختص بالثروة الحيوانية "ان العراق يعد من اكثر الدول استقطاباً للطيور المهاجرة التي تقدم اليه من مختلف ارجاء العالم، باحثة عن الاجواء المناخية الملائمة للعيش والتكاثر، لكن للاسف الشديد هناك هجرة عكسية يشهدها العراق من قبل بعض أصناف الطيور الفريدة، بسبب بنادق الصيد التي تباع بشكل عشوائي في محال لا تملك إجازات مرخصة".
واوضح أنَّ "صيد الطيور في العراق أصبح مهنة من لا مهنة له، وأرى أنَّ هناك تقاعساً واضحاً من قبل السلطات التنفيذية، في محاسبة المتجاوزين سواء من باعة الاسلحة او الصيادين".
واشار الى أنه" من خلال متابعتنا للكثير من عمليات الصيد، وجدنا أطفالا في عمر الأحداث، يستخدمون السموم في ما تبقى من طعام في حقول الحبوب، وان خسائر هذه الطرق المرفوضة كانت المئات من صغار طير الدراج".
ويبحث المزارع حمزة الشمري في قضاء المحاويل إمكانية انشاء محمية خاصة للطيور ذات النوعية الفريدة، وذلك من اجل الحفاظ عليها، لكنه يواجه مشكلات عدة تتعلق بالتمويل، اذ لم تندرج مثل هذه المحميات ضمن الفرص المدعومة حكومياً، وقال: "ان الحل الأساسي في الحفاظ على الطيور من الهجرة والصيد الجائر، هو انشاء المحميات مثل بقية الحيوانات، لكن ذلك يتطلب دعماً مالياً ممولاً من قبل المصارف، وسبق أن تحدثنا بهذا الشأن مع عدد من المختصين ووعدونا خيراً".
 
تكاثر
وبشأن اهمية الطيور في الحفاظ على التوازن البيئي تحدث صباح نوري من بيئة بابل عن "ضرورة خلق اجواء آمنة لتواجد الطيور وتكاثرها، لما لها من اهمية كبيرة في التنوع البيئي الذي يعد أساساً لخلق بيئة مناسبة للعيش المشترك مع الإنسان".
واضاف أنَّ "الكثير من الطيور تحمل فوائد جمة للتربة والمحاصيل في آن واحد، فهي تتغذى على النمل والحشرات التي تسبب إرباكاً في التربة، ومن هنا أشرنا الى ضرورة أن يكون هناك تنسيق مشترك بين مختلف الدوائر الحكومية، من اجل الحفاظ على هذه الثروة الحيوانية التي ينفرد بوجودها العراق دون غيره من بلدان المنطقة".
وعبرت المهندسة عبير عباس عن أملها في وضع حد للصيد الجائر، الذي تتعرض له انواع فريدة من الطيور على يد صيادين لا يجيدون لغة الصيد، وقالت: "من خلال الندوات التي نعقدها مع جمعية الصيد العراقية، وجدنا أن هناك تطفلا على هذه المهنة من قبل بعض ضعاف النفوس الذين لا يلتزمون بالتوجيهات، خاصة ما يتعلق منها بعدم الصيد في موسم التكاثر او استخدام السموم لغرض قتل الطيور".
تنظيم الحياة البريَّة
ويدعو عدد من الخبراء والمهتمين بالشأن البيئي الى ضرورة تنظيم الحياة البرية، من خلال تخصيص مساحات شاسعة من الاراضي كي تكون ملجأ آمناً لتلك الطيور، برعاية حكومية وبمشاركة مع القطاع الخاص، كما هو معمول به في عدد من الدول التي تعطي اهتماماً كبيراً وتوظف الاموال من اجل الحفاظ على تلك الطيور الفريدة.
واكد رجل الاعمال مالك دوهان أنَّ "مشاريع المحميات الحيوانية بمختلف أنواعها، تعد رابحة مادياً مقارنة مع مشاريع اخرى، ذلك لانها لا تواجه منافسات في السوق بسبب نوعيتها، والامر الاخر في كونك تتعامل مع اشياء نادرة قد تجدها يوماً وتختفي اياماً، لكني اعتقد أن نجاح تلك المشاريع، مرتبط بمدى وجود الخبرات التي تشرف عليها، ورغبة وزارة الزراعة في دعمها".
أما المهندس زيد الجنابي، فيقترح أنْ تتحول مناطق الاهوار الى محميات من أجل الحفاظ على نوعية وكمية الطيور المتواجدة فيها، والتي تعرضت في الفترة الاخيرة الى هجمة صيد شرسة قامت بها مجموعة من العاطلين عن العمل، ظهرت بضاعتهم على طول الطريق الذي يمر عبر الأهوار الى محافظة البصرة.
وأكد "لا يمكننا أن نبقى مكتوفي الايدي امام ما تتعرض له تلك الطيور من قتل مبرمج، لا يأخذ بعين الاعتبار أهميتها ودورها في الحياة البرية". واقترح الجنابي على وزارة الداخلية، وبالتعاون مع المؤسسات الامنية في المحافظات، تشكيل مفارز خاصة، تتابع وتراقب حملات الصيد غير الرسمية التي تتعرض لها الطيور، على أن يُحاسب القائمون بها وفق القانون، وتفعيل دور جباية الغرامات المالية، طالما أن الامر يتعلق بالتجارة السوداء".
 
ضبط الحدود
بدوره شدد المهتم بالشأن البيئي الصحفي حسين الفنهراوي، على ضرورة متابعة أسواق ومحال بيع الطيور، وخاصة الفريدة منها، وقال:"ان تنظيم الحياة البرية جانب أساسي ومن مسؤولية الجميع، المواطن والمزارع والمؤسسة الامنية، اضافة الى دور الاعلام الذي لابد له أن يوضح للمتلقي سلبيات الصيد الجائر، الذي يطيح بأنواع فريدة من الطيور، ربما لا توجد على وجه الارض باستثناء العراق".
معرباً عن أمله في أنْ "يستفيقَ بعض الصيادين المتطفلين على هذه المهنة من سباتهم، فضلاً عن ضرورة ضبط الحدود لمنع دخول هواة الصيد من الدول الخليجيَّة، وخاصة في صحراء السماوة وبادية النجف الأشرف".