تكديس الأشياء المستهلكة.. فوضى بذاكرة مستفزة

اسرة ومجتمع 2020/10/30
...

 قاسم موزان
من المظاهر اللافتة في أغلب بيوتنا الحرص على تكديس أو اكتناز الحاجات القديمة أو المستهلكة والإفراط بها ويزداد تراكمها بمرور الزمن تحت ذرائع شتى منها ما هو مرتبط بالعاطفة أو الذكريات أو اللجوء إليها وقت حاجتها ويجد مالك تلك الأشياء صعوبة في اتخاذ قرار حاسم للتخلص مما يثير الفوضى داخل البيوت، وبشأن هذا الموضوع تحدث عددٌ من المختصين وربات البيوت.
 
 
بيَّن المختص في علم الاجتماع ساطع راجي «تزداد علاقة الإنسان بالأشياء تعقيداً.. فمع تطور الصناعة صارت الأشياء التي نمتلكها كثيرة ولكنها أيضاً تتعطل بسرعة أو تنتج الشركات أجيالاً أكثر تطوراً من كل سلعة باستمرار، هكذا تتراكم الأشياء، أجهزة وأثاث وملابس واكسسوارات منزليَّة، وكل قطعة أو شيء يشغل حيزاً ليس في المكان فقط وإنما في ذاكرة الإنسان المالك، الأشياء المتراكمة هي أيضاً أموال أنفقت، لذلك نتمسك بها حتى لا نشعر اننا ضيعنا تلك الاموال بلا منفعة. الاشياء تدلل على ثرائنا وجهدنا وتحقق رغبتنا في التملك، ورغم ان كل شيء (جهاز، قطعة اثاث، كتاب، ملابس..) لا نحتاجه لمدة سنة كاملة مثلا هو غير ضروري لكنَّ خوفنا من الحاجة له مستقبلاً تدفعنا للتمسك به، هذا نتاج قرون من الحياة الصعبة والنكسات الاقتصادية التي رسخت في ذاكرتنا إمكانية الحاجة لكل شيء في وقتٍ ما، هناك من يحتفظ بالمسامير المعوجة أو البراغي التي يعثر عليها بالصدفة، لانه وجد نفسه أكثر من مرة في حاجة لمثلها ولذلك صارت ذاكرته مستنفرة وتحفزه دائماً للاحتفاظ بكل ما هو فائض أو تالف. تراكم الأشياء المستهلكة أو الفائضة صار سبباً لمشكلات الأسرة والتخلص منها ليس سهلاً».
 
تراكم مزعج
أوضحت د.نهى نجاح عبدالله (باحثة في العلوم النفسية): «يطلق على الشخص الذي لا يرغب أو لا يستطيع التخلص من الأشياء مهما كانت تالفة أو غير مهمة وليست لها قيمة (بمريض الاكتناز القهري)، لذ نجده يحتفظ بملابسه القديمة التي باتت لا تناسب مقاسه، وقطع الأثاث المكسورة غير الصالحة للاستعمال، ودفاتر تعود الى سنوات دراسته السابقة، وغيرها من الأشياء التي تسبب التراكم المزعج للأشياء القديمة التي لم تعد لها حاجة وتشغل مساحة من مكان المعيشة بهذا تسبب الفوضى وعبئا جديدا على عملية الترتيب، فضلا عن أنها تكون سبباً في تجمع الاتربة والاوساخ والحشرات، وقد ترجع أسبابها الى الحاجة لها يوماً ما’ والأشياء المكتنزة تأخذ صبغة عاطفيَّة، فنجده يبرر احتفاظه بها لأنها هديَّة، أو تذكره بمرحلة عمريَّة ما، والأشياء المكتنزة غالباً ما تكون بالية إلا أنها تمده بالأمان لشعوره براحة نفسية عند تقليبها. إلا أنَّ الاتجاه الحديث في علم الطاقة وكيفية استقبال الإيجابية منها يشير الى خطورة الاحتفاظ بالاشياء القديمة والتالفة وتأثيرها السلبي في الصحة».
 
تحديث الأشياء
أشارت الموظفة مريم حسن الى أنَّ «تخزين الأشياء المستعملة أو المستهلكة يجب أنْ يكون إيجابياً، فإذا كانت ربه البيت تتمتع بعقل واع يهندس الأشياء بدقة بحيث يخزنها دون التأثير في مساحة البيت، ما يجعله غير مريح وتبتدع تصميماً آخر جديداً بترتيب الأغراض الفائضة المستعملة بمساحة أقل، وإذا كانت بالإضافة الى هندسة عقلها وأفكارها ربه بيت اقتصادية وتجيد إعادة تحديث الأشياء المستعملة بفكرة أحدث أو أكثر فائدة مع إضافات قد تكون بسيطة.. أما إذا كانت ربة البيت لا توجد لديها القابليَّة على التجديد هذا يعني نصف البيت عبارة عن فوضى تتسبب لها بين الحين والآخر بانهيار عصبي لأنها لم تستعمل عقلها وهي من تدفع الثمن أو احتمال أنْ يكون الطرف الآخر مهملاً ولا يعطيها حق التصرف بها، وإذا كانت الحاجات المستعملةعبارة عن انتيكات أو بقايا هدايا من ذكريات الأهل فلا بأس من الاحتفاظ بها مع التغيير المستمر بإدخال أشياء حديثة».
 
تقليد متوارث
قالت المدرسة (ع ج): إنَّ «التكديس جاء نتيجة مخاوف من المجهول والحاجة الى الأشياء في زمن الأزمات وهذا الاكتناز تقليدٌ متوارث من الأمهات لكننا بالغنا في التخزين الذي لم نتخلص منه بقدوم الجديد»، لافتة الى أنَّ «الأبناء ينتقدون التخزين غير المجدي وضرورة التخلص من الأشياء القديمة والتالفة».
 
متاعب
وتشكو العشرينيَّة نور إبراهيم من هوس والدتها وعدته «وسواسا قهرياً، كونها تحتفظ بأشياء وأدوات تراها غير مفيدة ولا تقدم أي خدمة وتشكل فوضى في زوايا البيت»، بينما قالت والدتها مبررة ذلك:»هناك حاجات وأغراض أعدها بمثابة ذكرى وإرث ثقافي وشعبي، كاحتفاظي بمدفأة قديمة كانت تستخدم في منزل والدي وتلفاز عتيق، ومذياع كان والدي يستخدمه في مقهى، فتلك الأشياء رغم أنها لم تعد تعمل الآن لكنها غالية على قلبي، وأفضل أنْ تبقى داخل منزلي، أعود لها كلما اشتقت لأيامٍ كنت فيها سعيدة وسط أسرتي».