{قرار أميركي غبي} أوصل الصين الى القمر

علوم وتكنلوجيا 2020/10/31
...

  شنغهاي: بي بي سي
 
يوجد في شنغهاي متحف مخصص بأكمله لرجل واحد يحتوي على 70 ألف قطعة، إنه "عالم الشعب" تشيان تشويسن".
ويعد تشيان بمثابة الأب الروحي لبرنامج الصواريخ والفضاء الصيني. فقد ساعد بحثه في تطوير الصواريخ التي أطلقت أول قمر صناعي صيني إلى الفضاء، والصواريخ التي أصبحت جزءاً من ترسانتها النووية. ويحظى بالاحترام لدرجة التبجيل كبطل قومي. لكن لدى قوة عظمى أخرى، حيث درس وعمل لأكثر من عقد من الزمان، نادراً ما يتم ذكر مساهماته المهمة على الإطلاق.
 
موهوب مبكراً
ولد تشيان في العام 1911، حيث كانت آخر سلالة إمبراطورية في الصين على وشك الانهيار لتحل محلها الجمهورية الصينيَّة. كان والداه مثقفين جداً، إذ أسس والده، بعد العمل في اليابان نظام التعليم الوطني في الصين. كان تشيان موهوباً منذ سن مبكرة بشكل ملحوظ. وعندما تخرج في جامعة "شنغهاي جياو تونغ" وكان الأول على دفعته فاز بمنحة دراسيَّة نادرة للالتحاق بمعهد "ماساتشوستس للتكنولوجيا" في الولايات المتحدة.
في العام 1935 وصل شاب أنيق حسن المظهر إلى بوسطن.
يقول كريس جيسبرسن، أستاذ التاريخ في جامعة شمال جورجيا، إنه ربما تعرض تشيان لبعض أنواع كراهية الأجانب والعنصرية، ولكن في الوقت نفسه، كان لديه أيضاً "شعور بالأمل والاعتقاد بأنَّ الصين كانت مقبلة على تغيرات جوهرية"، وكان بالتأكيد من بين الأشخاص الذين لاقوا الاحترام بسبب معرفته.
انتقل تشيان من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا إلى معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا لكي يدرس تحت إشراف أحد أكثر مهندسي الطيران تأثيرًا في ذلك الوقت، وهو المهاجر المجري تيودور فون كارمان.
وهناك، شارك تشيان المكتب مع عالم بارز آخر، فرانك مالينا، الذي كان عضواً رئيساً في مجموعة صغيرة من المبتكرين المعروفة باسم الفرقة الانتحارية.
حصلت المجموعة على هذا اللقب بسبب محاولاتهم بناء صاروخ في الحرم الجامعي، ولأن بعض تجاربهم مع المواد الكيميائية المتطايرة لاقت الفشل الذريع، كما يقول فريزر ماكدونالد، مؤلف كتاب (الهروب من الأرض: تاريخ سري لصاروخ الفضاء). لكن لم يمت أحد في هذه التجارب.
وذات يوم، وجد تشيان نفسه منخرطاً في مسألة رياضية معقدة مع مالينا وأعضاء آخرين في المجموعة، وسرعان ما أصبح جزءاً لا يتجزأ منها ، وأعد بحثاً مهماً عن نظام الدفع الصاروخي.
 
دعم الجيش الأميركي
يقول ماكدونالد، في ذلك الوقت، كان علم الصواريخ هو "موضوع المهووسين والخياليين". "لم يكن يؤخذ الأمر على محمل الجد، ولم يكن لمهندس يميل للعلوم الرياضية أنْ يخاطر بسمعته بالقول إن هذا هو المستقبل. لكن سرعان ما تغير ذلك مع بداية الحرب العالمية الثانية.
لفتت الفرقة انتباه الجيش الأميركي، الذي قام بدفع تكاليف البحث في إقلاع الطائرات بمساعدة صواريخ الدفع، حيث تم تركيب طواريخ الدفع على أجنحة الطائرات لتمكينها من الإقلاع من مدارج قصيرة. ساعد التمويل العسكري في إنشاء مختبر الدفع النفاث في العام 1943 ، تحت إدارة فون كارمان. كان تشيان إلى جانب فرانك مالينا في قلب المشروع.
كان تشيان مواطناً صينياً، لكن جمهورية الصين كانت حليفة للولايات المتحدة وقتها، لذلك "لم يكن هناك شك كبير في وجود عالم صيني في قلب مساعي الفضاء الأميركية" كما يقول فريزر ماكدونالد.
حصل تشيان على موافقة أمنية للعمل في أبحاث الأسلحة السرية، وحتى خدم في المجلس الاستشاري العلمي للحكومة الأميركية.
وبحلول نهاية الحرب، كان أحد أبرز الخبراء في العالم في مجال المحركات النفاثة، وأُرسل مع فون كارمان في مهمة استثنائية إلى ألمانيا، حيث كان برتبة مقدم مؤقتاً.
كان الهدف من الزيارة، مقابلة المهندسين الالمان خلال الحكم النازي، بمن فيهم وارنر فون براون، عالم الصواريخ البارز في ألمانيا.
أرادت أمريكا أن تعرف بالضبط ما وصله الألمان في هذا المجال.
وبحلول نهاية العقد، توقفت مسيرة تشيان المتألقة في الولايات المتحدة فجأة، وبدأت حياته هناك تنهار.
وفي الصين ، أعلن الرئيس ماو تسي تونع إقامة جمهورية الصين الشعبية في عام 1949 وسرعان ما أصبح يُنظر إلى الصينيين في الولايات المتحدة على أنهم "الأشرار" ، كما يقول كريس جيسبرسن. "لذلك كنا نمر بأوقات بدأنا فيها بإطلاق الشتائم على الصين في الولايات المتحدة بعدما كنا مفتونين بها".
وفي تلك الأثناء، اعتقد مدير جديد في مختبر الدفع النفاث بوجود حلقة تجسس في المختبر، ونقل شكوكه حول بعض أعضاء فريق العمل إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي.
وقال فريزر ماكدونالد: "إنني ألاحظ أن معظمهم إما صينيون أو يهود".
كانت البلاد تمر في مرحلة الحرب الباردة، وكان توجيه تهم الخيانة والتخريب لاصحاب الأفكار الشيوعية بدون توفر أدلة على شائعة. وفي تلك الأجواء، اتهم مكتب التحقيقات الفيدرالي الشاب تشيان ومعه فرانك مالينا وآخرين بأنهم شيوعيون ويشكلون تهديداً على الأمن القومي للبلاد.
 
تهم بالتجسس
اعتمدت التهم الموجهة إلى تشيان على وثيقة صدرت عام 1938 عن "الحزب الشيوعي الأميركي" أظهرت أنه حضر اجتماعاً اشتبه مكتب التحقيقات الفيدرالي أنه كان اجتماعاً لحزب "باسادينا الشيوعي". وعلى الرغم من نفي تشيان انتماءه لاي حزب، إلا أن دراسة حديثة تشير إلى أنه انضم للحزب في الوقت نفسه الذي انتسب فيه فرانك مالينا في عام 1938.
لكن هذا لا يجعله بالضرورة ماركسياً. ويقول فريزر ماكدونالد أن تكون شيوعياً في ذلك الوقت، كان بمثابة تأكيد على مناهضة العنصرية.
يقول زويو وانغ، أستاذ التاريخ في جامعة ولاية كاليفورنيا، إنه لا يوجد دليل على أن تشيان قد تجسس لصالح الصين أو كان عميلاً للمخابرات عندما كان في الولايات المتحدة. لكن رغم ذلك ألغيت الموافقة الأمنية على عمله ووضع قيد الإقامة الجبرية.
وفي عام 1955 بعدما أمضى تشيان خمس سنوات تحت الإقامة الجبرية، اتخذ الرئيس أيزنهاور قراراً بترحيله إلى الصين.
غادر العالم على متن قارب مع زوجته وطفليه المولودين في الولايات المتحدة ، وأخبر الصحفيين الذين كانوا بانتظاره أن قدميه لن تطآ أميركا مرة أخرى. وقد أوفى بوعده.
 
"بطل قومي"
يقول الصحفي والكاتب تيانيو فانغ: "لقد كان أحد أبرز العلماء في أميركا. لقد قدم مساهات كثيرة وكان بإمكانه المساهمة أكثر من ذلك بكثير. لذلك ما واجهه لم يكن مجرد إهانة ولكن أيضاً شعوراً بالخيانة". وصل تشيان كبطل قومي إلى الصين ولكن لم يتم قبوله على الفور في الحزب الشيوعي الصيني.
 
"أغبى قرار أميركي"
عندما وصل إلى الصين لم يكن هناك إلمام وفهم يذكر لعلوم الصواريخ، ولكن بعد 15 عاماً أشرف على إطلاق أول قمر صناعي صيني إلى الفضاء. وعلى مر العقود عمل تشيان على تدريب أجيال من العلماء، وأرسى عمله أسساً للصين لإرسال البشر إلى القمر.
ومن المفارقات أن برنامج الصواريخ الذي ساعد تشيان في تطويره في الصين أسفر عن إنتاج أسلحة أطلقت على القوات الاميركية لاحقاً.
يقول فريزر ماكدونالد إنَّ صواريخ "سيلك وورم" التي أنتجت بفضل خبرات تشيان، أطلقت على الأميركيين في حرب الخليج عام 1991، وكذلك في العام 2016، ضد حاملة الطائرات ماسون من قبل الحوثيين في اليمن.
 
قوة عظمى
مر على ولادة تشيان قرابة مئة عام وخلال هذه الفترة انتقلت الصين من بلد متخلف اقتصادياً، إلى قوة عظمى على الأرض وفي الفضاء. كان تشيان جزءاً من هذا التحول. لكن قصته كان من الممكن أن تكون قصة أميركية رائعة أيضاً - حيث يمكن للموهبة، أينما وجدت ، أن تزدهر.
في العام الماضي، عندما حققت الصين إنجازاً تاريخياً وارسلت مركبة فضائية حطت على الجانب البعيد المعتم من القمر، اطلقت عليها الصين اسم مهندس الطيران فون كارمان، الذي كان معلماً لتشيان. وربما تكون تلك إشارة غير مباشرة إلى أنَّ مناهضة الشيوعية في الولايات المتحدة ساعدت في وصول الصين إلى الفضاء.