المباراة التي أنهت حرب ساحل العاج الأهليّة

بانوراما 2020/11/01
...

 
  ايرومو اغبيجول
  ترجمة: بهاء سلمان
 
أمضى العضو الأفضل بين نجوم «الجيل الذهبي» لفريق ساحل العاج لكرة القدم معظم سنوات نشأته في فرنسا، ولم يلعب مطلقا ضمن دوري بلاده المحلي، لكن ليس هناك أي شك حول عشق «ديديه دروغبا» لبلاده، وكان الشعور متبادلا ومتينا، لدرجة تسمية قرية بإسمه، وكذلك قناني جعة شعبية.
كلمات دروغبا حملت وزنا مهما سنة 2005، مع اشتداد الحرب الأهلية ببلاده الواقعة غرب القارة السمراء. كما كان الفريق الوطني لكرة القدم المحكم التماسك، والمعروف بفريق الفيلة، يمثل أحد أقوى الفرق داخل أفريقيا، ودفع فوزه على الفريق السوداني، الذي أهل ساحل العاج للمرة الأولى الى كأس العالم، الجماهير الغفيرة للخروج الى الشوارع عبر البلاد بأسرها.
استثمار الفرصة
ومع لحظة تنعّم مواطنيه بنشوة الفوز، أمسك دروغبا بأحد الميكروفونات الموضوعة أمامه من قبل حشد من الصحفيين داخل الملعب، ليعاتب الطبقة السياسية الحاكمة بقوله: «رجاء ضعوا أسلحتكم جانبا وقوموا بانتخابات. نحن نريد أن نحيا الفرح والمرح، بالتالي أوقفوا اطلاق النار من أسلحتكم.» وكانت النتيجة أنه خلال أسابيع من إعادة عرض هذا المقطع عبر وسائل الاعلام العاجية، وافق المتمردون والحكومة على عقد هدنة مؤقتة. وكانت تلك البداية فقط.
تمتع دروغبا بوصفه مهاجما رهيبا يمتلك انتقالة حادة في سرعة خطواته غالبا ما تركت المدافعين المواجهين له في حالة ذهول، وكانت لديه قابلية مريحة لتسجيل الأهداف برأسه موازية لقدرته على التهديف بقدميه، وأصبح رمزا لخليط شرس من الموهبة والسرعة والدهاء والعزيمة العالية التي امتلكها فريق الفيلة. لقد عشق الهداف الرائع وطنه أيضا بكل ما تحمل الكلمة من معنى، فقد تحدث جيم هارت، الصحفي الرياضي البريطاني، عن هذا الأمر قائلا: «حب دروغبا لكرة القدم لا يوازيه إلا حبه لوطنه الأم.»
مطلع القرن الحالي، كانت ساحل العاج مبتلاة بأول حرب أهلية من أصل حربين شهدتها البلاد بسبب الخلاف على نتائج انتخابات وقضايا معقدة نشأت بعد وفاة الطاغية «فيلكس أوفوي بوانيي» سنة 1993، بعد انتهاء حكم إمتد 33 عاما، لتتحكم قوات الثوار بقيادة غولام سورو بالشمال، وفرضت حكومة الرئيس «لوران غباغبو» سلطتها على الجنوب، ولم تكن هناك قوة موحدة للبلاد سوى فريق الفيلة.
 
بطل وطني
سنة 2006، نال دروغبا للمرة الأولى لقب أفضل لاعب أفريقي، التي حصل عليها مرتين، وبعدها ألقى قنبلة أذهلت الجميع: المباراة التأهيلية المهمة ضد مدغشقر سيتم إجراؤها في عاصمة المتمردين «بواكي» لتعزيز مبدأ المصالحة الوطنية؛ ولو تفوّه غيره بتلك الكلمات، لم تكن لتحمل نفس الأهمية. لكن وفقا للصحفي الرياضي العاجي «مامادو غاي»، كان دروغبا يمثل فقط دور الرسول وليس المبادر بالفكرة، بسبب ما تعرفه الطبقة السياسية الحاكمة عن تأثير كرة القدم: «قرر الحزب الحاكم إجراء حوار مباشر، كما كان جاك انوما، الرئيس السابق لاتحاد كرة القدم العاجي، المدير المالي أيضا لديوان الرئاسة، من المقرّبين جدا من غباغبو. من هنا ظهرت الفكرة وحصل أن كان دروغبا هو قائد الفريق.»
امتلأ ملعب بواكي عن آخره بجماهير ارتدى أغلبها قمصانا برتقالية اللون تمثل فريق البلاد. كان هناك اثارة ملموسة للغاية في المكان، وكان أغلب الحاضرين، بضمنهم غاي، منفعلين عاطفيا بشكل واضح للعيان. وقدم أبناء الشمال بأعداد غفيرة بسبب مرور سنين طويلة منذ آخر مرة حظو بها بفرصة مشاهدة الفيلة وهم يلعبون قبل تقسيم البلاد الى شطرين، كما سار أبناء الجنوب لساعات بالسيارات لأجل حضور المباراة.
تواجد في الملعب أفراد أمن ينتمون الى كل من الحرس الجمهوري وائتلاف المتمردين، وكان سورو نفسه قد حضر كضيف شرف خاص، وجلس على مقربة من أعضاء حكومة غباغبو والمجتمع الدولي. أراد الجميع حضور العرض التأريخي ومشاهدة النجوم المشهورين للفريق العاجي، خصوصا دروغبا والأخوين كولو ويايا توريه، الذين كانوا يلعبون ضمن الدوري الانكليزي والفرنسي. 
 
عشق شعبي
لم تخيّب الفيلة أمل الجماهير، فقد هزموا فريق مدغشقر بخمسة أهداف نظيفة، ومع ابتهاج «بواكي» طوال الليل، تغيّر وضع دروغبا (من قديس إلى إله). فقد أضطر الصحفي غاي لقيادة سيارته لمدة ساعتين بعد المباراة صوب مدينة ياموسوكورو للمبيت عند العائلة لعدم وجود أية غرف فارغة في فنادق بواكي، وقال: «لم يكن الفائز ذلك اليوم السياسيون الذين اعطوا الموافقة على اجراء المباراة في بواكي، وإنما كرة القدم، فليس بمقدور أي حزب سياسي ملء الملعب ما لم يوفروا وسيلة نقل للجمهور، اضافة الى القمصان والطعام والنقود، بيد أن الجمهور أنفق على نفسه ودفع أجرة وصوله الى موقع المباراة.. كان أمرا لا يصدّق.»
هذه المرة، كان السلام أكثر ثباتا، رغم انه تمزّق بحرب أهلية ثانية بعد خمس سنوات. ومضى الرئيس غباغبو بصنع التأريخ كأول زعيم دولة سابق يساق الى محكمة العدل الدولية في لاهاي، قبل تبرئته من تهمة ارتكاب جرائم ضد الانسانية. 
قريبا ستشهد البلاد انتخابات رئاسية، ويعود الكثير من اللاعبين السياسيين المعروفين الى المشهد السياسي؛ فسورو، الذي تحوّل من زعيم للمتمردين الى رئيس وزراء ومن ثم رئيس للبرلمان، تم اصدار حكم غيابي بحقه بلغ عشرين عاما بتهم غسيل الأموال والاختلاس خلال عهده. ومع ذلك، فهو على رأس قائمة المرشحين للرئاسة هذا العام، ومن المرجح تشكيله لائتلاف مع الرئيسين السابقين هنري بيدي وغباغبو لتحدي الرئيس الحالي الحسن واتارا؛ لترتفع المخاوف من حصول أعمال عنف. اعتزل دروغبا لعب كرة القدم سنة 2018، وأنشأ مدرسة، من ضمن مبادرات أخرى، داخل بلاده. وشهدت مسيرته السياسية خسارة انتخابات رئاسة اتحاد كرة القدم العاجي مؤخرا.
 
مجلة اوزي الاميركية