الحزام الأخضر حلمٌ يراودُ البيئة العراقيَّة

ريبورتاج 2020/11/01
...

    محمد عجيل 
 

منذ قرابة عشر سنوات شرعت الحكومات المحلية في عدد من المحافظات، بانشاء حزام اخضر حول المدن، وذلك في تجربة حققت نجاحاً في عدد من الدول، لكنها لم تر النور في العراق بسبب عدم جدية القائمين على المشاريع، اضافة الى الفساد الذي ينخر بالمنظومة الحكومية والذي ادى الى تلف تلك الأحزمة نتيجة اندثار وسائل السقي تارة، وضعف المتابعة الميدانية تارة اخرى، وفي مثال صارخ على ما ذهبنا اليه قامت حكومة الديوانية في عام 2007 بتشجير الجزرة الوسطية بالنخيل بينها وبين محافظة بابل على امتداد طريق دغارة شوملي بقيمة مليار دينار، وقد اريد لهذا المشروع أن يكون حزاماً اخضر، لكن تلك النخيلات سرعان ما فارقت الحياة، وتحولت الى أضحوكة تتداولها وسائل الاعلام المختلفة، تعبيراً عن مدى الاستهزاء والسخرية بمشاريع التشجير في العراق.

ويذكر أن مجلس محافظة بابل صوت في السنة ذاتها وفي ظل الموازنات الانفجارية للمحافظات على انشاء حزام اخضر بالمنطقة الممتدة من قضاء الفلوجة، مروراً بالمسيب ومن ثم جرف الصخر، حتى يحيط بمدينة الحلة لكن الظرف الأمني المتزعزع وقتها حال دون تنفيذ المشروع، رغم أن بوادره الاولية ظهرت للعيان من خلال تشجير مساحات صغيرة.
 
معاناة أهل الأرض
كان لا بدَّ لنا ونحن نغوص في اعماق هذا الموضوع أن نستمع اولا الى معاناة اهل الارض من المزارعين، اذ وصف لنا المزارع عبد النبي جاسم معاناته بفعل غياب الحزام الأخضر قائلاً: "نخسر سنوياً ملايين الدنانير بفعل الأتربة التي تصيب المحاصيل الزراعية، خاصة الصيفية منها والناجمة عن الكثبان الرملية التي لا تجد مانعاً بينها وبين حقول المزارع، واعتقد أن غياب الحزام الأخضر اثر في انتاج التربة من الغلات الزراعية، واصبح الدونم الواحد لا يفي بالسعر الرسمي للإنتاج، ما دفع الفلاح الى هجرة الارض والبحث عن مصدر عيش آخر".
 وعبر مربي الحيوانات مزهر خلف عن مخاوفه من استمرار غياب الحزام الأخضر، وآثاره السلبية في غطاء النبات الطبيعي، ما ينعكس على التربية الحيوانية، فبعد أن كان مربو المواشي والأبقار يتنعمون بوجود ما تبقى من حشائش ونباتات في الحقول لعلف حيواناتهم، اصبحت بقية تلك الحقول عبارة عن أتربة ورمال نتيجة غياب الحزام الأخضر، حتى لجأ بعضهم الى التمور لاطعام حيواناتهم. 
 
حائط صدّ
يقول المهندس الزراعي محمد دوهان "ان الحزام الأخضر اصبح ضرورة ملحة في ظل تجريف البساتين، وتحويلها الى مناطق سكنية، اذ زاد ذلك من كميات الغبار المتجهة الى المدن بفعل التصحر وقلة الامطار وهبوب العواصف خاصة في فصل الصيف".
واضاف "ان الخطط الذي تضعها الجهات المختصة في هذا المجال لم تستند على اسس علمية، من حيث اختيار المواقع التي ينشأ فيها الحزام، اضافة الى طبيعة الاشجار المزروعة، اذ لا يمكن زراعة الفواكه وأشجار النخيل كاحزمة خضراء، لان الحزام الأخضر يعتبر حائط صد للأتربة والغبار، وبالتالي لا يمكن إصابة تلك المحاصيل بالضرر، ولابد من زراعة أشجار خصصت لهذا الحزام تسمى (الكابرس)، وهي شجرة تنمو بسرعة وتتحمل كل الظروف المناخية وحالة الطقس". 
بينما يرى الخبير الزراعي موجد حسين الخفاجي "ان العراق يحتاج الى ما قيمته مليار دولار من اجل تنفيذ الخطة الخاصة بزراعة الأحزمة الخضراء امتدادا من محافظة البصرة ومرورا بذي قار والمثنى ومناطق الفرات الاوسط، وان تنفيذ هذه المشاريع سيوفر فرص عمل لعشرات العاطلين، كما سيسهم في احياء آلاف الهكتارات من الاراضي الزراعية المتروكة، ويسهم في تنشيط التربة وخاصة في المناطق الصحراوية، ما يزيد من زراعة الطماطم والخيار والبطاطا في محافظات النجف وكربلاء والمثنى امتداداً الى محافظة الانبار".
واشار الى أن "الحكومات المحلية في المحافظات غير جادة بتنفيذ مثل تلك المشاريع لعدة اسباب، لعل ابرزها عدم وجود تنسيق بينها، لان الحزام الأخضر غالباً ما يزرع على حدود المحافظات المتداخلة، وهو يحتاج الى تعاون وتوفير عناصر مشتركة، اي ان ما تنجزه حكومة النجف الاشرف من أحزمة خضراء سيخدم محافظة بابل وكذلك كربلاء والانبار، وهي بالتالي تحتاج الى ميزانية مشتركة وإشراف جماعي من كل الاطراف، والامر الآخر يتعلق بانعدام الثقافة الزراعية لدى القائمين على الشأن الحكومي وغياب رجال الاختصاص، الذين يدركون اهمية انشاء الحزام الأخضر للبيئة والحياة الانسانية".
 
التجاوز على الغابات
وتطرقت المستشارة الزراعية أميرة حسين الى موضوع في غاية الأهمية وهو ان العراق مقبل على ظاهرة تصحر كبيرة، ربما تضر باقتصاده الوطني وتجعله في ذيل قائمة الدول الزراعية، رغم وجود النهرين الكبيرين دجلة والفرات، وقالت: "ان الاستخدام الجائر للتربة، وعدم وجود منظومات سقي علمية زادا من معاناة اخضرار البيئة، ودفعا الكثير من الفلاحين الى زراعة الاشجار حول الحقول من اجل حماية المحاصيل والحفاظ على الارض اكثر فترة ممكنة".
واكدت "ان العراق يعاني منذ فترة ليست بالقصيرة من محاولات التجاوز على الغابات التي شكلت لسنوات طويلة سياجاً اخضر حول المدن، مثل غابات الموصل وغابات جبلة في بابل، وللاسف الشديد ان البعض استغل الانفلات الأمني كي يفتك بتلك الغابات، وتحولت بفعل فاعل الى أخشاب للنجارة تارة والفحم تارة اخرى". 
وتحدثت رئيسة اللجنة الزراعية في مجلس بابل سابقا سهيلة عباس عن وجود محاولات عدة من قبل الحكومة لغرض انجاز الحزام الأخضر الخاص بمحافظات الفرات الاوسط، وخصصت اموال لهذا الغرض تجاوزت حينها مليار دينار، ووضعت التصاميم الخاصة به من قبل الخبراء، لكن تدهور الظرف الأمني وزيادة العمليات الارهابية في المنطقة المحصورة بين مناطق جرف الصخر والمسيب وعامرية الفلوجة حالا دون ذلك.
واوضحت "ان ظاهرة غياب الحزام الأخضر هي ظاهرة متراكمة ورثناها من النظام السابق الذي لم يقم باي محاولة لانجاز تلك المشاريع المهمة".
من جهته طالب صباح نوري من مديرية بيئة بابل، الجهات المختصة باعطاء مشاريع الحزام الأخضر اهمية قصوى في ظل التلوث البيئي الذي يشهده العراق، بفعل زيادة انبعاث الغازات السامة وعمليات احتراق الغاز المصاحب للنفط، اضافة الى فعل الانسان نفسه ومحاولاته العبث بمرتكزات الصحة العامة ومنها البيئة.
واكد "ان غالبية دول العالم انشأت حول مدنها حزاماً اخضر، وأخذت تجني ثمار ذلك الا في العراق، فان الوضع يتدهور من سيئ الا اسوأ، غير مكترثين بالنتائج الكارثية التي يواجهها المواطن". 
 
مشاركة المواطن
واكد الناشط المدني عباس الركابي " ضرورة اشراك المواطن بمشاريع زراعة الأحزمة الخضراء، لان ذلك من شأنه أن يخلق تجاوباً لغرض حماية الحزام نفسه من العبث، اذ يشعر المواطن انه جزء من مشروع وطني، غايته الاساسية الحفاظ على البيئة و زيادة معدلات الانتاج الزراعي".
واوضح "ان العراق شهد محاولات عدة، قامت بها مجاميع تعاونية في المدن والارياف، انجزت من خلالها مشاريع حيوية مثل بناء المدارس والمستوصفات، وليس هناك ضير أن تتحول تلك الجهود الى انجاز مشاريع زراعة الغابات والأحزمة الخضراء، ويمكن من خلال تعاون الجهات ذات العلاقة من الدوائر البلدية والزراعية تحقيق سرعة غير متوقعة في الانجاز".
واعرب الركابي عن امله بأن يكون فصل الربيع المقبل، فرصة امام الجميع كي تزداد المساحات الخضراء وتنطلق مشاريع الأحزمة الخضراء حول المدن، وان العراق يمتلك خزيناً مائياً كبيراً نتج عن امطار السنة الماضية.
 
اعتماد على الذات
وفي معرض رده عن سؤالنا بشأن دور الجمعيات الفلاحية في ترسيخ مفهوم الحزام الأخضر عند الطبقة الفلاحية قال رئيس الجمعيات الفلاحية في بابل فلاح موسى "من خلال لقائنا بالفلاحين والمزارعين والمستثمرين، نؤكد دائماً أن الفلاح قادر بإمكانياته على انشاء حزام اخضر حول حقوله الزراعية في ظل توفر الاشجار الخاصة بالمشروع في الدوائر الزراعية والبلدية، خاصة ان ذلك لا يحتاج سوى الى سقي ومتابعة وحماية، وان الامور الثلاثة مقدور عليها من قبل الفلاح".
واكد "علينا أن نعتمد على أنفسنا في تحقيق ذلك، ولا ننتظر انجاز مثل هذه المشاريع من قبل الحكومة في ظل الظروف المالية التي يمر بها البلد".
واوضح "ان الجمعيات الفلاحية تسخر كل امكانياتها في خدمة توجهات الفلاحين لتحقيق هذه المشاريع الحيوية". 
بدوره تعهد نائب محافظ بابل حسن منديل بوضع مشروع الحزام الأخضر على جدول أولوياته، وقال لـ"الصباح" "اننا ندرك اهمية مشاريع الحفاظ على التربة وتحسين البيئة، لكن الظروف المالية التي مرت بها المحافظة في السنوات الخمس الاخيرة، حالت دون ادراج تلك المشاريع ضمن خطة المحافظة السنوية، ونحن ندرك حجم الضرر الذي يصيب النشاط الزراعي والبيئي نتيجة غياب تلك المشاريع".
واشار الى أن "هناك رغبة أكيدة لدينا لاحياء مشروع الحزام الأخضر في الجهتين الغربية والشرقية حال تسلم المحافظة للاموال الخاصة بها".