وقفت (أم منى) على باب جارتها خجلة ومرتبكة، وقالت بحزنٍ إنَّ زوجَها (الحجي) قد فقد وعيه ويحتاج الى استدعاء الطبيب، وابنها لم يتسلم راتبه حتى الآن، فالمواطن العراقي قد قضى الايام السابقة وهو يلتفت لكل الجهات، عسى أن يستدين المال من اصدقائه وأقاربه، عسى أن يأتي الفرج، بعد أن أصبح هذا الفرج هو من أولويات حقوق المواطن الموظف الذي يراه بمرتبه. 
عاشت أغلب أسر الطبقة المتوسطة وهم صغار الموظفين، الذين لا مورد لهم سوى رواتبهم، معاناة بعد ان تأخر مصدر رزقهم الوحيد، ولكون أغلبهم اصحاب أسر اختلت ميزانيتهم وتقلصت بعد تأخر صرف الرواتب، بعد أن صدق بعضهم وعود المسؤولين بقرب صرف تلك المبالغ، التي تتوزع بين بدل الايجار والمولدة الكهربائية والانترنت والطبيب وشراء الادوية وأمور أخرى.

 

أم الشهيد

تقول أم الشهيد خالد الذي كان في المرحلة الاعدادية، عندما توفى والده، فحتمت عليه الظروف أن يترك عمله، وعمل في دكان خاله في سوق مدينة الحرية، ولكن الانفجار حصد روحه كما الكثيرون في السوق ومنهم خالد، ولا تعرف الارملة الثكلى، ماذا تفعل وكيف تعيل بناتها الثلاث، فضحت الكبيرة بدراستها وبعد مناشدات وتوصيات تم تعيينها كاتبة في احدى مؤسسات الدولة منذ عام، وصارت الأسرة تعيش على مرتبها، وها هي اليوم لم تتسلم الراتب، ولا تدري ماذا تفعل بمتطلبات الاسرة الكبيرة، فكم من ربة بيت وام مثل ام خالد؟. 

 

مريض كورونا

نضال (32) سنة موظفة في إحدى الوزارات قالت: «لي اخ يدرس في إحدى الكليات وقد أصيب قبل ايام بوباء (كوفيد- 19)، وخشينا أن نذهب به الى المستشفى، اذ قال لنا الطبيب الذي جئنا به الى البيت إن اصابته خفيفة، وعليه أن يأخذ العلاج في المنزل، ولكوني المعيلة الوحيدة لاسرتي وراتبي بالكاد يسد نفقات البيت، الا ان وضعنا تأزم أكثر بعد تاخر دفع الرواتب، فأخي بحاجة الى العلاج ومراجعة الطبيب، فماذا افعل ؟، ذهبت الى عمي لأستدين منه لكونه يمتلك أحد المحال التجارية، وما أن تحدثت معه، بادرني بمزحة (هسه شفادتكم الوظيفة؟!)

 

كتب للبيع

ابو احمد (46 سنة) موظف في وزارة الثقافة، يعيل أسرة كبيرة مكونة من خمسة افراد يقول: «ميزانية الأسرة متوزعة بين ايجار البيت واجور المولدة والانترنت، وتلبية حاجات الاولاد وكل هذا ينهك الراتب!، ولولا عملي الاضافي في شارع المتنبي لكنت اليوم (شحاذا)، فلدي بعض الكتب القيمة ولكنني ضحيت بها وعرضتها لدى إحدى المكتبات، لعل سعرها يسد حاجتي، الا أن رواد المتنبي أغلبهم من المثقفين، وهم من الطبقات البسيطة وهم مثلي يعانون من قلة المدخول المالي، خاصة هذه الايام عند تأخر صرف الرواتب، لذلك لم يتقدم أحد لشراء كتبي، والمفارقة ان بعض المشترين يريدون الحصول على بعض الكتب بالدين، لحين صرف رواتبهم، لذا أفكر في ارجاع الكتب الى أن يفرجها الله». 

هلال العيد

اما الأسرة المتعففة التي طلب متحدثنا ألا يكشف عن اسمها، فلا مورد لها غير مجموعة من أصدقاء تجتمع كل شهر، ويتم تقديم إعانة من كل طرف وفق امكانياته المادية وهم موظفون في دوائر عدة، يقول أحدهم» إن المجموعة في موقف محرج من الأسرة، كونهم لم يتقاضوا رواتبهم ما أخرَّ تقديم الاعانة، فماذا يقولون لهم؟، ويطالب الحكومة بأن تسرع بصرف رواتب الموظفين، لأن أغلب الموظفين يقع على عاتقهم تقديم المساعدة للأسر الفقيرة وفك ضائقتهم، ويقترح استقطاع نسبة من رواتب الدرجات الخاصة والنواب والوزراء بدلا من أن يؤخروا صرف رواتب الموظفين البسيطة».

 

1921

الموظف محمد (60) سنة يقول: «قبل نهاية كل شهر كنا ننتظر انا وزوجتي الموظفة صرف رواتبنا، واذا تأخر تضعف ميزانيتنا ويصيبها (الكساح)، ذلك لأن الرواتب تتوزع بين منافذ عدة، واليوم ننتظر صرف الرواتب الخاصة بدائرتنا».

 ويضيف «لم نكن نحلم سابقا بمثل هذه الظروف الصعبة، فاذا بنا امام ازمات وظروف مريرة جعلتنا نحلم باستحقاقنا، اذ منذ قرن لم يعان الموظف هذه المعاناة في تاخر الراتب وبالتحديد منذ 1921».

ويؤكد أنَّ «أغلب أسواق بغداد تبدو فارغة من المتبضعين، وحركتها شبه معدومة، كما ان بعض الخضار ومنها مثلا الطماطم ارتفع سعرالكيلو منها، فبعد ان كانت تباع بـ 500 دينار للكيلو غرام الواحد ارتفعسعرها ليكون ألف دينار للكيلوغرام الواحد، وزحفت الاسعار على الباذنجان وبقية الفواكه والخضر مما زادت هذه الظاهرة من معاناة الأسرة العراقيَّة».