صور ضحايا الإصابة بفيروس كورونا..هل ينتهك تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي خصوصيتهم؟

ريبورتاج 2020/11/01
...

 مآب عامر 
يوماً بعد يوم، بدأت الصور الخاصة بالمصابين والمتوفين بسبب فيروس (كوفيد - 19) في مواقع التواصل الاجتماعي (الفيسبوك) تثير في نفسي الكثير من التوتر والاكتئاب اللذين يقودان ذاكرتي لمشاهد ثقيلة، كان من الشائع فيها تداول صور الناس الذين تعرضوا لحوادث التفجيرات الإرهابيّة. في الواقع، أصبحت رؤية هذه الصور مُنهكة، وتدفعني دائما لمغادرة هذه المنصات، بل ويثير تداولها الواسع على هذه المواقع تساؤلات حول الغاية من نشرها، الذي يبدو متاحاً للجميع، رغم أن صفحات الكثير من أصحابها كانوا يحرصون على خصوصية صورهم في (الفيس بوك) وهو ما قد نكتشفه عند البحث عنهم؟ 

القلق والحزن
هناك قصص مماثلة، إذ تصف مروة عماد، التي وثقت بكاميرا هاتفها النقال معاناة والدها جراء إصابته بـ(كوفيد- 19) نفسها بأنها نادمة لنشر خبر وفاته برفقة صورته، التي التقطتها في المستشفى قبل موته بأيام في صفحتها على موقع (فيس بوك).
وانتشرت صورة والدها الذي يظهر فيها وهو قد وضع على جهاز التنفس الصناعي في عدد من صفحات الأقارب والأصدقاء، بما فيها منصات لـ (بيجات وكروبات) عامة، وهي تسرد قصصاً ومعلومات متنوعة عن الوباء.
ومهما حاولت صرف أنظارها، فقد أدت الصورة التي تم تداولها إلى تفاقم شعورها بالحزن والقلق من رؤيتها للكوابيس، كما تقول مروة، خاصة أن والدها كان «يتبنى أفكاراً معادية تجاه نشر الصور الشخصية على هذه المواقع».
 
تعويض مالي
ولا يختلف الأمر كثيرا بالنسبة لحيدر محسن، الذي يشعر بتأنيب الضمير لنشره قبل أشهر صورة شقيقه مرفقة بخبر رحيله بسبب الوباء على موقع (فيس بوك).
لكنه يحاول تبرير ذلك لأفراد أسرة شقيقه الذين عارضوا نشرها بأنه «للحصول على تعويض مالي».
إذ افترض حيدر حصولهم على منحة مالية عند نشر صورته كوسيلة لتوثيق إصابته بالوباء، كما يقر، « في النهاية لم يحدث ذلك»، موضحاً أنه «يشعر بالندم لسذاجة تصديق شائعات التعويض المالي وانتهاك خصوصية أسرة المتوفى».
 
شهرة وتنافس
لكن مشاعر الندم، لا تساور الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، الذين يحرصون على نشر كل صورة لمصاب او متوفى بسبب الفيروس.
فالمدون حمزة كريم، يرى ذلك العمل مهماً لبلوغ شهرة عبر شبكات التواصل الاجتماعي وتسجيل مشاركات ومتابعات كثيرة، لتحصيل الأموال مقابل الترويج الإعلاني لاحقاً.
فالوباء يعد الآن من أهم القضايا التي تشغل الناس، لذا يعمد الكثير لاستغلال ذلك عبر نشر صور المرضى والمتوفين بسبب الفيروس، كما يقول كريم، لدعم شهرتهم.
ومن بين الصور التي حاولوا الاستفادة من نشرها خلال الجائحة صور مشاهير عالم كرة القدم والفن وحتى السياسة بين مستخدمي هذه المواقع الذين سرعان ما شاركوها على صفحاتهم الخاصة. وإذا عدنا إلى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، سنجد أن صور رحيل النورس الساحر لاعب كرة القدم أحمد راضي إثر كورونا، قد اشعلت هذه المواقع بالكثير من جدل، دفع لاستغراب أسرته من الشائعات التي أُطلقت من قبل «الذي لم يشاركوها بأحزانها أو التعرف على رحلة مرضه»، على حد تعبير أسرة الراحل.
وربّما الأمر لا يختلف كثيرا مع صور وفاة اللاعب الدولي علي هادي، والمدرب ناظم شاكر وغيره إثر إصابتهما بالفيروس.
 
انتهاك الخصوصية
وتعد الناشطة الحقوقية سهاد مصطفى تزايد نشر صور المرضى أو المتوفين على مواقع التواصل الاجتماعي بعد تفشي فيروس كورونا أمرا خطيرا، لأنهم ينتهكون خصوصية أصحابها ولا يحترمون مشاعر أسرهم.
«المشكلة في الانتهاك، تزداد عندما نتسبب بالأذى لأشخاص لا يستطيعون أن يردوا علينا»، تقول الناشطة، في إشارة إلى أن هذا الأمر قد يشكل انتهاكاً أيضا لأفراد أسرة المصاب.
وبالرغم من أن البعض قد يتفهم، عندما يختار أحدهم للإعلان عن خبر إصابة قريب بنشر صورته الغاية هي في مساعدته أو التخفيف عن معاناته، فإن الأمر سيختلف عندما يكون من دون موافقة صاحبها ولا يروق له، إذ يتحول، كما تقول مصطفى، إلى «إلحاق الضرر به».
وكان مركز الإعلام الرقمي DMC اقترح ايجاد تشريعات قانونية، تهدف إلى وضع تعليمات تنظيمية تحول دون نشر صور المرضى والمتوفين على منصات مواقع التواصل الاجتماعي.
وتحميل من يعمد إلى نشرها من دون موافقة أصحابها مسؤولية حدوث انتهاكات واضحة للخصوصية، لتفاقم هذه الظاهرة بصورة واضحة بعد جائحة كورونا.
وحذّر المركز “من أن الكثير من صور المرضى والمصابين والمتوفين المنشورة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ربما يشاهدها الاطفال، وهو ما قد يتسبب للبعض منهم بصدمات نفسية يطول إثرها”، لافتا إلى أن “الصور المتداولة على الويب قد تبقى مخزونة لفترة طويلة، ويمكن أن تظهر المتوفى أو المريض بوضع غير مقبول”.
ولكن تداول هذه الصور– حسب الناشطة- يؤثر أيضا بشكل سلبي في انضباطنا النفسي، ويجعلنا أكثر شعوراً بالخوف تجاه إمكانية الشفاء من الفيروس حال الإصابة بالعدوى، فضلا عن أنها تثير أجمل وأسوأ الذكريات مع المتوفى.
ومن هنا، نكتشف أن هذه الظاهرة رغم عواقبها الأخلاقية والنفسية، قد تحولت إلى تقليعة لا تأخذ بعين الاعتبار مشاعر من حولنا وخصوصيتهم.