د. علاء حميد
باحث في مجال الانثروبولوجيا
أعاد عقد مؤتمر "الشيعة العرب" من قبل المركز العربي في الدوحة العام 2016، الكثير من الأسئلة التي تفتح جدلاً غير محسومٍ بخصوص دلالة تسمية جماعة اجتماعية معينة، إذ تشير التسمية لمعانٍ اجتماعية وسياسية تبيّن نوع النظرة داخلياً وخارجياً بمعنى "كيف ينظرون إلى وجودهم، وكيف يُنْظَرُ إليهم؟".
التعريف بالشيعة
التقديم والتأخير بين مفردتي "الشيعة والعرب"، يتطلَّب فهماً للعلاقة بين معنى الاثنين عند من يحدّد الأسبقية لمِنْ؛ للشيعة أم للعرب؟ إذ يصبح السؤال هل التعريف بالشيعة في الأوطان التي يتواجدون فيها بالمذهب أو بالانتماء الجغرافي والاجتماعي؟
إنَّ الإجابة عن السؤال المذكور، تبقى مرهونة بمدى معرفة النظرة التي ذكرتها أعلاه "كيف ينظرون إلى وجودهم، وكيف يُنْظَرُ إليهم؟"، ولكنَّ هذه المعرفة تحتاج إلى وصف حالهم وسماتهم الاجتماعية، ولهذا نجد أنَّ دلالة ومعنى "العراقيون الشيعة" مرتبطة بتأثير عوامل ثلاثة هي:
* العامل الديموغرافي والاجتماعي والسياسي، التي يرافقها تساؤل مضمر، من له الفاعلية أكثر من هذه العوامل؟ لملء محتوى التسمية ودلالتها، إنَّ التباين والإزاحة بين هذه العوامل قد أثر في عدم تبلور تصور واضح عن معنى ودلالة "العراقيون الشيعة" لدى من يريد وضع تعريف واضح عنهم،
إذ التداخل بين تلك العوامل وضع التسمية في مستويات متعدّدة من التعريف، في العامل الديموغرافي تتصارع على توضيح فاعليته ثنائية "الأكثرية – الأقلية"، فالعراقيون الشيعة داخلياً هم أكثرية سكانية ولكن خارجياً أقلية، أوجد هذا التشابك بين الأكثرية والأقلية نوعاً من الجنوح نحو سلوك الأقلية داخلياً والبحث عن حقوقهم كأكثرية خارجياً، وفي العامل الاجتماعي نلمس الصراع والإزاحة بين "الريفي، الحضري، المناطقي"، تبيّن التراتبية الاجتماعية للعراقيين الشيعة، أنَّ الريفي هو أكثر ديموغرافياً، وثم يأتي الحضري وبين العاملين الريفي والحضري ينشط المناطقي على أساس نمط الصراع داخل الهوية الشيعية وتمثلاتها في المجتمع العراقي، إذن للمناطقية دلالة وتوصيف ضمن التعبيرات الاجتماعية للعراقيين الشيعة وعموم العراقيين، إنَّ التدافع بين الريفي والحضري كشف عن نمط العلاقة بالطقوس والتقاليد الدينية، ولهذا يمكن أن نتساءل هل تتطابق ممارسة الطقوس لدى العراقيين الشيعة، الذين يسكنون في المدينة والريف، فعلى الرغم من أنَّ ظاهرة ترييف المدن قد بدأت منذ خمسينيات القرن الماضي ولغاية اليوم، ومع ذلك يبقى طرح التساؤل السابق مشروعاً من زاوية فهم وتحليل السلوك
الاجتماعي.
فهم الهوية الاجتماعية
إنَّ الانتباه إلى دلالة المناطقية يقودنا نحو إعادة السؤال الكامن في ثنايا محاولة فهم الهوية الاجتماعية للعراقيين الشيعة، وهل هذه الهوية ذات دلالة دينية أو سياسية؟ إذا نظرنا إلى المناطقية نجد أنَّ الصراع بين الديني والسياسي على تعريف هويتهم أمرٌ فيه غموض والتباس، مردّه كيف نؤشر وبشكل واضح حدود الفرق بين معنى السياسي والديني داخلها – هوية العراقيين الشيعة – مع الأخذ بتأثير العامل الاجتماعي، يذكر حنا بطاطو في بحثه عن الدور السياسي للشيعة وعملية الاندماج "حين نشأت الدولة الحديثة في العراق عام 1921، لم يكن الشيعة يؤلفون كياناً وثيق التماسك. ورغم أنَّهم كانوا يمتازون بعددٍ من الخصائص المشتركة، فقد كانوا منقسمين، شأن غيرهم من سكان العراق، إلى جماعات متمايزة، قائمة بذاتها. وفي إطار حالات عديدة، لم يكونوا يعدون أنفسهم "شيعة" أولاً، فالولاء الأول والأقوى كان للقبيلة والعشيرة".
ولهذا جاء حضور العامل السياسي متأخراً؛ لأنَّ التنافس بين الديني والسياسي لم تكن له الأولوية في توصيف هوية العراقيين الشيعة، بل نما وازداد بعد شيوع التوجهات الماركسية والقومية بينهم، إذ نجد أنَّ تأسيس قوى الإسلام السياسي الشيعي في الغالب قد حصل في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، كما لم يكن هناك تعبير سياسي واضح ومباشر للعراقيين الشيعة طوال الفترات الماضية "المرحلة العثمانية – قيام الدولة الحديثة في العراق العام 1921"، بالرغم من تنامي تأثير العامل السياسي عليهم، إلا أنَّه لم يكن يعبّر عن دلالة واضحة ومحدّدة، فهل يبحث العراقيون الشيعة من خلاله - العامل السياسي - عن حكم ديني بمضمون شيعي أو السعي للمشاركة في الحكم على أساس سماتهم الدينية أو الاجتماعية؟، بمعنى آخر؛ أيّ من حقوقهم يريدون، الاجتماعية أم السياسية أم الدينية، مع ظهور الإسلام السياسي الشيعي أخذ الديني والسياسي يتصارعان على تعريف معنى ودلالة العراقيين الشيعة داخل النظام السياسي، ولقد أثبت ذلك التزاحم بين المرجع الديني والحزب على التمثيل والتعبير عن العراقيين الشيعة، كما عمّق هذا الصراع بين "الديني/ السياسي"، لدى من يريد القيام بتشكيل حزبي، إذ ظلّ يشكّل عائقاً اجتماعياً وسياسياً.
الغموض الحاصل في تعيين الفرق بين ما هو اجتماعي وسياسي أو ديني في هوية العراقيين الشيعة، دفعهم نحو البحث عن تعريف لهذه الهوية، أما من التاريخ واستدعاء أحداثه الماضية وتمثّلاتها على حياتهم، وطريقة تعامل السلطة معهم، أو من تأثير نموذج خارجي كما في "الثورة الإيرانية العام 1979".
العراقيون الشيعة بعد 2003..
استمرار محنة التعريف وتحديات الوصول إلى السلطة
كشف تغيير النظام عن أزمة تداخل العوامل الثلاثة "الديموغرافي، الاجتماعي، السياسي" التي يمكن أن تسهم في تعريف العراقيين الشيعة، نبع هذا التداخل بسبب الانفصال الطويل بين من يعبّر عنهم سياسياً، أعقبه ازدياد في حضور الجانب الديني، الانفصال والازدياد حصلا ما بين سبعينيات وتسعينيات القرن الماضي، إذ أخذت بعد ذلك تتبلور عند العراقيين الشيعة توجهات تعتمد على مضمون هويتهم الدينية مع توظيف التعبئة الاجتماعية من أجل تعزيز سمات هذه الهوية" كما حصل مع حركة السيد محمد صادق الصدر 1995-1999"، إنَّ الإضمار الذي وقع على الجانب السياسي في مقابل إبراز الديني قد أعاق تحديد ما يريده العراقيون الشيعة، سواء في مشاركتهم في السلطة أو ما يجب عليها أن تقدمه لهم، ولهذا حين نتساءل عن الأحزاب ذات الخلفية الشيعية السياسية، الموجودة في السلطة بعد 2003، هل تعبّر عن العراقيين الشيعة بشكل واقعي وعملي، وبتعبير آخر ما الذي يمثّله حزب الدعوة، والمجلس الأعلى، والتيار الصدري، وتيار الحكمة عند العراقيين الشيعة؟، لا يعطينا الرجوع إلى التاريخ جواباً واضحاً وملموساً بشأن ما تمثّله تلك الأحزاب والقوى السياسية لدى العراقيين الشيعة، إنّ فهم العلاقة بين الديني والسياسي سوف يمهد الطريق أمامنا لكي نتبيّن التصور الذي يتعاملون به مع السلطة ومن أي منطلق ينظرون لها، فهم يقاربون أزماتهم سياسياً ولكنّهم
يفسّرونها دينياً.