انها حدود الحريات الصحفية فلا تتعدوها!

بانوراما 2020/11/02
...

 ترجمة: بهاء سلمان

خلال إحدى ليالي شهر آب الماضي، كان عماد حجاج، رسام الكاريكاتير الصحفي المشهور في الأردن، يقود سيارته عائدا مع أسرته من رحلة نهارية الى البحر الميّت حينما اعتقلته الشرطة عند نقطة تفتيش روتينية.

ظن حجاج أن السبب هو تحرير وصل غرامة مروري سابق له، لكنه كان مخطئا؛ فبعد 24 ساعة، وبعد ترحيله بالتعاقب بين مراكز الشرطة، مثل أمام محكمة عسكرية! لكن ما هي التهمة يا ترى؟ إرباك العلاقات السلمية مع دولة صديقة. 
كانت الدولة الصديقة في قضيته هي الإمارات العربية المتحدة، الحليف، وأحيانا النصير، للأردن. 
في صباح يوم اعتقاله، كان حجاج قد أرسل من خلال شبكة تويتر آخر رسومه الكاريكاتيرية الى صحيفة «العربي الجديد»، المموّلة قطريا والمتّخذة من لندن 
مقرا لها. 
أتى الرسم الكاريكاتوري بعد تقارير أشارت الى طلب اسرائيل من الولايات المتحدة رفض بيع طائرات أف 35 الحربية الى الإمارات، حيث يظهر حمامة تبصق على وجه شخصية تمثل ولي عهد أبو ظبي، الحاكم الفعلي للإمارات، محمّد بن زايد؛ وتبدو البصقة وكأنها تتخذ ظل طائرة أف 35. 
ويصر حجاج على أنه لم يصوّر بن زايد، بل معلّق تلفزيوني إماراتي غير محدد 
الهوية.
اعتياد الخطوط المحرّمة
وضمن منطقة تعد فيها الحريات الصحفية محدودة في أحسن الحالات، اعتاد الصحفيون ورسامو الكاريكاتير والمعلّقون العرب منذ أمد بعيد على تحييد ما يطلقونه من تقارير حينما يتعلّق الأمر بشؤون تخص حكوماتهم. 
بيد أن التهم الموجهة لحجاج توحي بتوسع هذه القيود لما بعد حدود بلدانهم لتشمل بلدان حلفائهم، في خطوة تضييق إضافية لوسائل الإعلام 
المحلية.
بشكل مسبق، تصنّف معظم البلدان العربية على أساس كونها «غير حرة» من قبل فريدوم هاوس، وهو معهد أميركي التمويل يصدر مؤشر سنوي يستبين فيه الحريات، وبضمنها حرية الصحافة، في 192 بلدا. وكانت نسخة 2020 الخاصة بالمعهد قد أوردت السعودية وسوريا والصومال وليبيا في قائمة «أسوأ الأسوأ»؛ وحازت كل من لبنان والأردن والكويت والمغرب فقط على تقييم «حر 
جزئيا».
بشكل روتيني، يعاني الصحفيون والمعلّقون والمدونون والنشطاء في المنطقة من التهديدات والملاحقة القضائية والسجن، وحتى التعذيب بسبب تغطياتهم الاعلامية. 
البعض يتعرّض للاختطاف أو القتل، مثل كاتب العمود السعودي الجنسية جمال خاشقجي، الذي قام فريق سعودي خاص بشنقه وتقطيع أوصاله سنة 2018 في تركيا، والمراسل أحمد عبد الصمد والمصوّر صفاء غالي، اللذان اغتيلا داخل سيارتهما بعد تغطيتهما لاحتجاجات تندد بالحكومة في مدينة البصرة 
العراقية.
تدهورت الأمور بعد جائحة كورونا، مع تشديد جميع بلدان المنطقة لقيودها المفروضة على وسائل الاعلام، بحسب تقرير أصدره فريدوم هاوس بداية تشرين الأول
 الحالي. 
ويزعم أن حجاج، الذي أطلق سراحه بعد عدة أيام من اعتقاله، قد خرق فقرة من قانون العقوبات المطبق في كثير من الدول العربية، بحسب أيمن مهنا، المدير التنفيذي لمؤسسة سمير قصير، المراقبة لحريات الصحافة والمتخذة من بيروت مقرا لها.
 
حدود غامضة
يقول مهنا: «تكمن المشكلة في عدم وجود تعريف محدد لماهية الدولة الصديقة والشخصية المتحدّث عنها، فهل ملك المغرب ورئيس إيطاليا والمستشارة الألمانية كلهم بمستوى واحد؟ وهل الشأن مختلف، على سبيل المثال، بين رئيس وزراء العراق أو رئيس جمهوريته؟ عدم الوضوح يعد أمرا دوليا، لأنه يسمح للحكام أو للقضاء في كل دولة تغيير التشريعات أو مستوى التفحّص الدقيق وفقا للمصالح السياسية 
المؤثرة. 
ومن الممكن أن يتم تجاهل نفس الفقرة القانونية عند لحظة معيّنة من الزمن بشكل كامل، وحينما تبرز ظروف أخرى، مثل المصالح الاقتصادية المتزايدة، يتم تذكر تلك الفقرة بشكل 
مفاجئ».
بالانسبة للأردن، المعتمدة على المعونات الدولية، يمكن لهذه المصالح الاقتصادية أن تكون حاسمة. هذا الأمر واقعي خصوصا للعلاقات الاقتصادية التي يحتفظ بها الأردن مع دول الخليج، مثل السعودية والامارات، اللتين تستضيفان معظم العمالة الأردنية المغتربة المقدرة ب800 ألف فرد؛ وكانت هذه الفئة قد أدخلت سنة 2018 الى البلاد نحو 3,7 مليار دولار، أو ما يعادل عشرة بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي، وفقا لبيانات البنك 
الدولي.
هذا جعل من حجاج هدفا حتميا، ويواجه ثلاث فقرات من تهمة تشويش العلاقات: واحدة لكاريكاتيره الخاص بصفقة الطائرات الحربية بين الامارات وأميركا، واثنتان على كاريكاتيرات نشرت بوقت سابق من هذه السنة تسخر من القيادة السعودية. 
إذا ادين عليها جميعا، ربما سيواجه حكما بالسجن من ست الى عشر سنين، وتم ابلاغ حجاج أن قضيته رحّلت الى محكمة مدنية، وستنطلق مرافعاتها في وقت لاحق من هذا العام. 
نبيه بولوس 
صحيفة لوس انجليس تايمز الأميركية